انشقاقات تنخر صفوف قوات الدعم السريع عقب أحداث الفاشر الأخيرة.. هل يعكس الفيديو حقيقة الأزمة الداخلية؟

تدور الأحداث الراهنة في السودان حول انتشار واسع لمقطع فيديو يزعم وقوع انشقاق داخل قوات الدعم السريع الشبه العسكرية، خاصة بعد الأحداث الدامية في مدينة الفاشر. هذا الفيديو، الذي حصد ملايين المشاهدات عبر منصات التواصل الاجتماعي، رافقته رواية مضللة تشير إلى أن العناصر المسلحة انشقت بسبب الجرائم التي ارتكبتها تلك القوات بحق المدنيين الأبرياء. ومع تصاعد التوترات في الإقليم، أصبح هذا الفيديو أداة للتأثير على الرأي العام، مما يعكس التعقيدات السياسية والأمنية في البلاد.

انشقاق قوات الدعم السريع في السودان

بدأ انتشار الفيديو بشكل واسع مؤخراً، لكنه يعود في أصله إلى تاريخ مبكر، حيث تم نشره لأول مرة في 3 أكتوبر 2025 عبر صفحات تابعة لأنصار الجيش السوداني. الفيديو، الذي يستمر لمدة 54 ثانية، مقتطف من تسجيل أطول يصل إلى ثماني دقائق، ويظهر مجموعة تُدعى “62 من أولاد المحاميد” وكأنها تخترق صفوف قوات الدعم السريع. ومع ذلك، فإن التحقق من مصداقية هذا المحتوى يكشف أنه لا يمت بصلة مباشرة إلى الأحداث الأخيرة في الفاشر، حيث شهدت المدينة أعمال عنف واسعة النطاق خلال سيطرة القوات على آخر معاقل الجيش السوداني في شمال دارفور. هذا الانتشار الفيروسي للفيديو يعكس كيف يمكن للمعلومات المضللة أن تعزز الصراعات وتشعل التوترات بين الأطراف المتحاربة، حيث تجاوز عدد المشاهدات حاجز 400 ألف مع تفاعلات كبيرة على وسائل التواصل.

تفكك التنظيمات المسلحة

بالعودة إلى السياق التاريخي للفيديو، يبدو أن الرواية المصاحبة له كانت محاولة لإثارة الشكوك حول تماسك قوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي). وفقاً للتحليلات، فإن هذا التفكك المزعوم لم يكن سوى جزء من حملة إعلامية تهدف إلى دعم الجيش السوداني، الذي انسحب من الفاشر بشكل استراتيجي، كما أكد رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان. ومع ذلك، فإن الأحداث الأخيرة في الفاشر، التي شهدت أعمال قتال، مطاردة للمدنيين، واحتجازات، قد عززت من دعوات الدولية لوقف إطلاق النار في الحرب التي اندلعت في أبريل 2023. تقارير من مختبر جامعة ييل للأبحاث الإنسانية، بناءً على صور الأقمار الصناعية، كشفت أدلة على إمكانية ارتكاب جرائم حرب خلال سيطرة تلك القوات، مما يؤكد على الخطر الإنساني الذي يواجه المنطقة.

في الوقت نفسه، أعلنت قوات الدعم السريع عن بسط سيطرتها الكاملة على الفاشر، مع نشر لقطات من مقر الفرقة السادسة للمشاة، مستغلة الانسحاب الجيشي لتعزيز مواقعها. هذا التحول أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث أسفر عن مآسي كبيرة مثل نزوح آلاف المدنيين وانقطاع المساعدات. من جانب آخر، أعلن قائد القوات، حميدتي، إنشاء وكالة إغاثة لمواجهة الكوارث الناتجة عن الحرب، في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة لتلميع صورة التنظيم. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات لم تمنع الإدانات العربية والدولية، التي طالبت بوقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية. يبقى السؤال الأساسي حول مدى تأثير مثل هذه الفيديوهات المضللة على الوضع السياسي، حيث تستمر الحرب في السودان كواحدة من أكثر الصراعات دموية في المنطقة، مما يهدد استقرار الدولة بأكملها. في هذا السياق، يبرز دور التحقق من المعلومات في مكافحة الدعاية الكاذبة، خاصة مع تزايد انتشار المحتويات غير الموثوقة عبر الإنترنت. بشكل عام، يعكس هذا الحدث كيف يمكن للأدوات الرقمية أن تعقد الواقع السياسي، مما يفرض تحديات كبيرة أمام البحث عن حلول سلام دائمة في السودان.