تربية الحمام تعتبر هواية شائعة في مصر، حيث يتعلق الكثيرون بها كنشاط يومي أو يحولونها إلى مصدر ربح تجاري. هذه الهواية تتطلب بناء أبراج خاصة بالحمام، والتي تنتشر في مناطق الدلتا والصعيد، وسط الأراضي الزراعية أو فوق أسطح المنازل، لكن القليلون يعرفون من يقوم بتصميم وبناء هذه الهياكل المرتفعة والدقيقة.
صانع أبراج الحمام: مهنة متوارثة
في عالم تربية الحمام، يبرز أشخاص مثل نور الفخراني، الشاب الذي ورث هذه المهنة عن أجداده وأصبح جزءًا لا يتجزأ من تاريخ عائلته. يرى نور في الحمام أكثر من مجرد طيور؛ إنه يعتبرها جزءًا من حياته الشخصية، قائلاً: “الحمام بالنسبة لي زي ابني، وفي أيام الضيق أصعد إلى البرج وأقضي وقتي وسطهم، حيث أجد الراحة وأنسى كل همومي”. هذه الروابط العاطفية تجعل المهنة ليس مجرد عملاً، بل نمط حياة يمر من جيل إلى آخر. بدأ نور في هذه المهنة مبكرًا، حين كان في الـ10 سنوات، عندما أخذه والده للعمل معه، ووعده بـ10 جنيهات. لم يكن الفلوس هي الدافع الرئيسي، بل الرغبة في تعلم الصنعة وفنياتها. يتذكر: “في أول يوم، شعرت بالدوار عندما صعدت إلى أعلى البرج والعالم يدور حولي، لكنني تجاوزت ذلك، وأصبحت الآن أبني أبراجًا تصل إلى 15 مترًا في الارتفاع”. هذه الخبرة جعلته يتقن المهنة، مما ساهم في انتشار عمله عبر محافظات مصر وأحيانًا خارجها.
فن صناعة أبراج الحمام
يمتد نطاق عمل صانعي الأبراج إلى مناطق متعددة في مصر، حيث سافر نور وفريقه للعمل في مختلف المحافظات، مما يعكس كيف أصبحت هذه المهنة جزءًا من التراث الثقافي. التكلفة المتفاوتة للأبراج، التي تتراوح بين 10 آلاف إلى 20 ألف جنيه، تعتمد على حجمها ومواد البناء، مثل الطين والأدوات التقليدية التي تضمن المتانة والأمان للحمام. هذه الأبراج ليست مجرد هياكل عملية؛ إنها تعبر عن فن معماري يتكيف مع البيئة، سواء في الأراضي الزراعية أو الأسطح الحضرية. يؤكد نور أن النجاح في هذه المهنة يأتي من الالتزام بالتقاليد، حيث يتم استكمال كل برج بطريقة تمنح الحمام مساحة آمنة للعيش والتكاثر. على سبيل المثال، في مناطق الدلتا، يركز البناء على مقاومة الرطوبة، بينما في الصعيد، يتم تصميمها لتحمل الرياح القوية. هذا التنوع يجعل المهنة محترمة ومطلوبة، خاصة مع تزايد عدد هواة تربية الحمام الذين يبحثون عن أبراج عالية الجودة. مع مرور الزمن، أصبحت هذه الأبراج رمزًا للارتباط بين الإنسان والطبيعة، حيث يساهم صانعوها في الحفاظ على تراث مصري قديم. في النهاية، تظل هذه المهنة شهادة على كيف يمكن للفنون التقليدية أن تتطور مع الحداثة دون فقدان جوهرها، مما يجعلها مصدر إلهام للأجيال القادمة. هذه القصة تكشف عن أسرار مهنة تتحدى الزمن وتجمع بين المهارة والعاطفة في كل برج يرتفع نحو السماء.

تعليقات