نموذج الإمارات الوقفي: إلهام عالمي

العمل الوقفي بالإمارات.. نموذج يحتذى به في العالم

المقدمة

في ظل العالم الذي يسعى لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، يبرز العمل الوقفي كأداة تاريخية ومعاصرة لتحقيق الغايات الإنسانية. الوقف، كمفهوم إسلامي أصيل، يعني تخصيص أموال أو أصول لأغراض خيرية دائمة، مثل التعليم، الصحة، والتنمية الاقتصادية. في دولة الإمارات العربية المتحدة، أصبح العمل الوقفي نموذجاً فريداً يجمع بين التراث التقليدي والابتكار الحديث، مما يجعله مصدر إلهام عالمياً. يعكس هذا النموذج التزام الإمارات بقيم الإحسان والتكافل الاجتماعي، ويُعد دروساً قيمة للدول الأخرى لتعزيز الجهود الخيرية في ظل التحديات المعاصرة.

تاريخ العمل الوقفي في الإمارات

يعود تاريخ العمل الوقفي في الإمارات إلى عصور مبكرة، حيث كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، المؤسس، رائداً في هذا المجال. نظراً لأهميته في الإسلام، تم تعزيز الوقف كأداة للتنمية الشاملة. في السنوات الأخيرة، أصبحت الإمارات مركزاً للأوقاف الحديثة، حيث أسست هيئات حكومية مثل وزارة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في أبوظبي، وهيئة الأوقاف في دبي، لإدارة هذه الأنشطة بكفاءة عالية.

بدأت الإمارات بتحويل الوقف من مفهوم تقليدي إلى نظام متقدم يعتمد على التكنولوجيا. على سبيل المثال، أطلقت “صندوق الوقف” في أبوظبي، الذي يدير أصولاً تزيد قيمتها عن مليارات الدولارات، لتمويل مشاريع تجني ربحاً مستداماً يدعم الفقراء والمتعلِّمين. هذا التطور لم يكن محصوراً في الداخل، بل امتد إلى دعم المبادرات الإنسانية عالمياً، مثل تمويل مدارس ومستشفيات في دول الجنوب.

المبادرات الرئيسية والابتكارات

يتميز العمل الوقفي في الإمارات بمشاريع مبتكرة تجمع بين الشفافية والكفاءة. على سبيل المثال، أطلقت دبي برنامج “الوقف الرقمي”، الذي يسمح للأفراد بتبرع أصولهم عبر تطبيقات الهواتف الذكية، مما يسهل العملية ويضمن الاستدامة. كما يشمل هذا البرنامج استخدام تقنيات البلوكشين لتتبع التبرعات، مما يقلل من إمكانية الفساد ويزيد من الثقة.

في مجال التعليم، يُعتبر صندوق الوقف للتعليم العالي نموذجاً بارزاً، حيث يوفر منحاً دراسية لطلاب الإمارات ودول أخرى، مما يعزز من التنمية البشرية. أما في الجانب الصحي، فقد ساهمت الأوقاف في تمويل مستشفيات وبرامج مكافحة الأمراض، خاصة أثناء جائحة كورونا، حيث قدمت الإمارات دعماً وقفياً لأكثر من 50 دولة.

بالإضافة إلى ذلك، تركز الإمارات على الاستثمار المستدام للأوقاف. بدلاً من الاعتماد على التبرعات فقط، تستثمر هذه الأموال في مشاريع تجارية تعود بربح يعاد توجيهه للأغراض الخيرية. هذا النهج يجعل الوقف مصدراً مستداماً، وفقاً لتقرير البنك الدولي، الذي أشاد بكيفية تحويل الإمارات للوقف إلى محرك اقتصادي.

لماذا هو نموذج عالمي يحتذى به؟

يُعتبر العمل الوقفي في الإمارات نموذجاً يحتذى به لأسباب متعددة. أولاً، يعتمد على مبادئ الشفافية والمحاسبة، حيث يخضع جميع الأنشطة للرقابة، مما يجعله أكثر كفاءة من العديد من الأنظمة الدولية. ثانياً، يدمج الابتكار التكنولوجي، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الأصول، مما يجعله متكيفاً مع التحديات العصرية.

علاوة على ذلك، أسهمت الإمارات في مشاريع دولية، مثل اتفاقيات الشراكة مع الأمم المتحدة لدعم أهداف التنمية المستدامة (الأجندة 2030). على سبيل المثال، كان للوقف الإماراتي دوراً في تمويل مشاريع مكافحة الفقر في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. هذا التعاون جعل الإمارات قدوة في دمج الجهود الخيرية مع السياسات الدولية.

وفقاً لمنظمة اليونسكو، أصبحت الإمارات مرجعاً عالمياً في الوقف، حيث حصلت على جوائز دولية لجهودها في تعزيز السلام والتعليم. هذا النموذج يتجاوز الحدود الإسلامية، إذ يمكن تطبيقه في سياقات متعددة، كما أكد تقرير المنظمة الدولية للوقف في 2022.

الخاتمة

في ختام المقال، يمكن القول إن العمل الوقفي في الإمارات العربية المتحدة يمثل قصة نجاح تجمع بين التراث والحداثة. من خلال الابتكار والشفافية، أصبح نموذجاً يحتذى به عالمياً، يساهم في بناء مجتمعات أكثر عدلاً واستدامة. يجب على الدول الأخرى التعلم من هذه التجربة، سواء من خلال تبني تقنيات الإمارات أو تعزيز الشراكات الدولية. في عالم يواجه تحديات الفقر والتغير المناخي، يقدم الوقف الإماراتي دليلاً حياً على أن الإحسان يمكن أن يكون قوة محركة للتغيير الإيجابي.