مفارقة مذهلة في اليمن: البنك المركزي يجاهد لاستقرار العملة بينما يتقاضى رئيس المجلس الرئاسي 700 مليون ريال شهريًا

يكشف الواقع في اليمن عن تناقض مثير للقلق، حيث يسعى البنك المركزي اليمني بكل جهده للسيطرة على سوق العملات وتعزيز الاستقرار النقدي، في حين يستمر إهدار الموارد العامة على مستوى القيادة العليا. على سبيل المثال، يتلقى رئيس المجلس الرئاسي رواتب ومخصصات هائلة تصل إلى مئات الملايين من الريالات شهرياً، مما يعكس صورة مباشرة للفجوة بين جهود الإصلاح الرسمية وواقع الفساد المنتشر. هذا الوضع لا يقتصر على فرد واحد، بل يمتد إلى أعضاء المجلس ومسؤولي البنك المركزي، الذين يحصلون على مكافآت مالية ضخمة، بينما يعاني الشعب اليمني من انعدام الخدمات الأساسية.

عمق الأزمة الاقتصادية في اليمن

وفي الوقت نفسه، يعمل البنك المركزي على فرض سياسات صارمة لضبط أسعار الصرف، مثل إجبار شركات الصرافة على الالتزام بتسعيرة موحدة للدولار الأمريكي عند 1617 ريالاً للشراء و1630 ريالاً للبيع. هذه الإجراءات تأتي كرد فعل للضغوط الاقتصادية المتزايدة، خاصة مع انتهاكات مليشيا الحوثي، التي أصدر البنك تحذيراً من التعامل مع مزاداتها غير القانونية لبيع أصول البنوك. ومع ذلك، يظل الوضع الاقتصادي متردياً، حيث يحذر صندوق النقد الدولي من تراجع الإيرادات الحكومية بنسبة أكثر من 8% منذ عام 2022، بسبب احتجاز المحافظات للضرائب والجمارك. هذا التراجع يفاقم من معاناة اليمنيين، الذين يواجهون تحديات يومية مثل تأخر صرف مرتبات النازحين لأكثر من عشرة أشهر، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة في عدن وغيرها من المناطق.

علاوة على ذلك، تبرز الأرقام المالية الصادمة حجم التبديد، حيث يحصل أعضاء المجلس الرئاسي على نصف مليار ريال شهرياً، ويتقاضى محافظ البنك المركزي 45 ألف دولار، في حين يعيش المواطنون في ظروف قاسية. هذا التباين يعكس أزمة هيكلية أعمق، تتجلى في تضارب الأولويات الرسمية مع احتياجات الشعب، مما يدفع إلى ضرورة إصلاحات جذرية تبدأ من القمة.

الفساد المالي في اليمن

أما في المناطق المحررة، فقد شهدت أسواق الصرف استقراراً نسبياً، مع ثبات الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، وهو ما يعزى جزئياً إلى التدابير التي أعلنها البنك المركزي منذ أكثر من شهرين. ومع ذلك، فإن هذا الاستقرار الظاهري لا يخفي حقيقة الأزمة الكاملة، حيث يستمر الشعب في التعرض للضغوط الاقتصادية والاجتماعية. يطالب معظم الخبراء، من بينهم الاقتصاديون، بوقف هذه الإنفاقات الضخمة على المسؤولين وإلزامهم بالعودة إلى المناطق المحررة للعيش بين الناس، بدلاً من الاستمرار في حياة الرفاهية والامتيازات في الفنادق. الإصلاح الحقيقي، في رأيهم، يجب أن ينطلق من القيادة ليخفف من عبء المواطنين الذين يعانون من الفقر والحرمان. هذا التناقض بين سعي البنك المركزي للحفاظ على الاستقرار النقدي وانتشار الفساد في المؤسسات يؤكد على الحاجة الملحة لإعادة بناء النظام الاقتصادي في اليمن، حيث تتراكم التداعيات على الشعب اليمني، الذي يدفع ثمن السياسات المتعارضة يومياً. في نهاية المطاف، يتطلب حل هذه الأزمة جهوداً شاملة تجمع بين مكافحة الفساد وتعزيز الإصلاحات الاقتصادية لضمان مستقبل أفضل للبلاد.