تحويل النفايات إلى كهرباء في الوطن العربي.. مسح لـ”الطاقة” يشمل 12 دولة
المقدمة
في عصرنا الحالي، حيث يتصاعد القلق البيئي العالمي، أصبح تحويل النفايات إلى كهرباء (Waste-to-Energy – WTE) حلًا مستدامًا يجمع بين الحد من التلوث والاستفادة من موارد تعتبر عادةً عبئًا. في الوطن العربي، حيث يواجه العديد من الدول تحديات في إدارة النفايات والاعتماد على الطاقة الأحفورية، يبرز هذا النهج كفرصة لتحقيق التنمية المستدامة.
أصدرت منظمة “الطاقة”، وهي هيئة متخصصة في دراسات الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مسحًا شاملًا يغطي 12 دولة عربية رئيسية. يركز المسح على التقنيات المستخدمة، المشاريع الحالية، التحديات، والفرص المستقبلية لتحويل النفايات إلى كهرباء. الدول المشمولة هي: مصر، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر، الكويت، عمان، البحرين، الأردن، لبنان، تونس، المغرب، والجزائر. هذا الاستطلاع يسلط الضوء على كيفية استغلال النفايات، التي تصل كمياتها إلى ملايين الأطنان سنويًا، لإنتاج الطاقة النظيفة وتقليل الآثار البيئية.
ما هو تحويل النفايات إلى كهرباء؟
قبل الغوص في تفاصيل المسح، دعونا نفهم هذه التكنولوجيا. يعتمد تحويل النفايات إلى كهرباء على استغلال المواد العضوية والصناعية في النفايات لإنتاج الطاقة. التقنيات الرئيسية تشمل:
- الحرق الحراري: يتم حرق النفايات في محطات متخصصة لإنتاج البخار، الذي يدور توربينات لتوليد الكهرباء. هذه الطريقة تقلل من حجم النفايات بنسبة تصل إلى 90%.
- التحويل الحيوي: مثل عملية التحلل الهوائي أو الغاز الطبيعي المستنبط من النفايات (الغاز المستنبط)، والتي تحول النفايات العضوية إلى وقود قابل للاستخدام.
- التحويل الكيميائي: مثل تصنيع الوقود الحيوي من النفايات البلاستيكية أو الزراعية.
هذه التقنيات ليس لها فقط فوائد بيئية، مثل تقليل انبعاثات الكربون، بل تمثل أيضًا مصدرًا اقتصاديًا، حيث يمكن أن توفر الطاقة لملايين الأسر وتخلق فرص عمل.
نظرة على المسح في 12 دولة عربية
يقسم مسح “الطاقة” الدول المشمولة بناءً على مستويات تطوير التقنيات وسرعة التنفيذ. إليك نظرة موجزة على الوضع في كل دولة، مع التركيز على الإنجازات الرئيسية والتحديات وفقًا للتقرير:
-
مصر: كأكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، تولد مصر أكثر من 20 مليون طن من النفايات سنويًا. تشمل المشاريع البارزة محطة توليد الطاقة في مدينة 6 أكتوبر، التي تحول النفايات إلى كهرباء بطاقة 15 ميغاوات. التحدي الرئيسي هو نقص التمويل، لكنه يسعى لزيادة الإنتاج إلى 500 ميغاوات بحلول 2030.
-
السعودية: مع اهتمامها بالطاقة المتجددة ضمن رؤية 2030، أطلقت مشاريع WTE في الرياض وجدة. محطة “القدية” تحول النفايات إلى كهرباء بكفاءة عالية، مما يوفر حوالي 50 ميغاوات. التحديات تتمثل في تكاليف التقنيات المتقدمة، لكن الاستثمارات الضخمة تجعلها قائدة في المنطقة.
-
الإمارات العربية المتحدة: دبي وأبو ظبي تتقدمان بمحطات حديثة مثل “Waha Energy”، التي تحول 5000 طن من النفايات يوميًا إلى كهرباء. يهدف المسح إلى تعزيز الإنتاج إلى 200 ميغاوات، مع التركيز على الابتكار مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة النفايات.
-
قطر: تعمل قطر على مشروعات كبيرة لتحويل النفايات الزراعية والصناعية، مع محطة في الدوحة تبلغ طاقتها 30 ميغاوات. التحديات تشمل البنية التحتية، لكن الدولة تسعى لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي.
-
الكويت: بدأت الكويت مشاريع تجريبية لتحويل النفايات البلاستيكية، مع خطط لمحطة كبيرة تبلغ طاقتها 100 ميغاوات. التحدي الرئيسي هو التغيير المناخي، الذي يزيد من كمية النفايات.
-
عمان: تركز عمان على النفايات الزراعية في محافظاتها الجنوبية، مع محطة تجريبية في مسقط تولد 10 ميغاوات. التحديات تتعلق بالتعليم وجذب الاستثمارات.
-
البحرين: شهدت تقدمًا سريعًا مع محطة في المنامة تحول النفايات إلى غاز طبيعي، مما يوفر 20 ميغاوات. التحديات تشمل الكثافة السكانية العالية وضرورة تعزيز التنظيم.
-
الأردن: يعاني من نقص الطاقة، لذا يركز على النفايات العضوية في محطات أردنية مثل تلك في عمّان (طاقة 15 ميغاوات). التحديات الرئيسية هي التمويل والتكنولوجيا.
-
لبنان: بسبب أزمة النفايات المزمنة، أصبحت مشاريع WTE في بيروت أولوية، مع طاقة محتملة تصل إلى 50 ميغاوات. التحديات تشمل الصراعات السياسية وضعف البنية التحتية.
-
تونس: تركز على النفايات الزراعية في المناطق الجنوبية، مع محطة في تونس العاصمة تولد 10 ميغاوات. التحديات تتعلق بالتكاليف وتدريب الكوادر.
-
المغرب: يمتلك مشاريع متقدمة في الدار البيضاء، حيث تحول النفايات إلى كهرباء بطاقة 30 ميغاوات، مدعومة بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
-
الجزائر: بدأت مشاريع تجريبية في الجزائر العاصمة، مع تركيز على النفايات الصحراوية، لكن التحديات تشمل المناخ القاسي ونقص الخبرة.
وفقًا للمسح، يمكن أن يصل إنتاج الطاقة من النفايات في هذه الدول إلى 5 غيغاوات بحلول 2030، مما يوفر حوالي 10% من احتياجات الكهرباء ويقلل من انبعاثات الكربون بنسبة 20%. ومع ذلك، تشير الدراسة إلى تحديات مشتركة مثل ارتفاع التكاليف، نقص التنظيم، والاحتياج إلى تكنولوجيا محلية.
التحديات والفرص المستقبلية
رغم الإنجازات، يواجه الوطن العربي تحديات مثل ارتفاع تكاليف التركيب، نقص الوعي البيئي، وتداخل القوانين مع السياسات الطاقية. كما أن بعض الدول تعاني من نقص الخبرات الفنية. ومع ذلك، يقدم المسح فرصًا كبيرة، مثل الشراكات الدولية، الاستثمارات في البحث، ودمج WTE في استراتيجيات الطاقة المتجددة.
في الخاتمة، يؤكد مسح “الطاقة” أن تحويل النفايات إلى كهرباء يمكن أن يكون محركًا للنمو الاقتصادي والبيئي في الوطن العربي. لتحقيق ذلك، يجب على الحكومات تعزيز الاستثمارات، تطوير التشريعات، وتعزيز التعاون الإقليمي. إذا تم التعامل مع التحديات بفعالية، يمكن لهذه التقنية أن تحول النفايات من عبء إلى موارد تنموية، مساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بحلول 2030.

تعليقات