حسّان تشهد صلاة مستمرة لا تنقطع!

أشعر بالضعف أمام الموت، خاصة عندما يطال أصدقائي ويخطف أحباءهم الذين يشبهون جزءاً من أرواحهم. في تلك اللحظات، لا يتبقى لي سوى اللجوء إلى الكتابة، فهي الوسيلة الوحيدة التي تساعدنا على الفرار من الصمت الثقيل الذي يتركه الفقد خلفه.

الفقد في لحظات الفراق

في ليلة رحيل حسن حسن حجاب الحازمي، شعرت بأن قلبي قد خذلني، وأن الكلمات التي كنت أستخدمها لتعزية الآخرين تخذلني هذه المرة. يا أبا حسن، في أشد الامتحانات صعوبة، يفشل الجميع في العثور على الكلمات المناسبة. أنت، كمن كرس حياته لصياغة المعاني عبر الكلمة، تعرف جيداً أن الكتابة تحمل عزاءها الخاص، لكن ما العزاء الذي يمكن أن يخفف عن أب فقد ابنه؟ كيف تستطيع أي كلمة أن تجعل القلب يقتنع بأن الغياب ليس نهاية، بل انتقال إلى رحمة أوسع مما نتصور؟ أكتب إليك ليس لأن الكتابة تشفي، بل لأن الصمت أمام ألمك يشكل خيانة للصداقة والمعنى الإنساني. عرفتك منذ البدايات كأديب يتأصل في حكمة أبيك الفاضل، حجاب الحازمي، الذي جعل من الكلمة وطناً، ومن الكتابة تعبيراً صادقاً كما لو كانت تخرج من الدم. ومن تلك الجذور، خرج حسن حاملاً إشراق الجد وصدى الاسم، ممتزجاً بنبل الأم في ابتسامته>.

الغياب ودوام الأثر

يا أبا حسن، ابنك لم يمت بالمعنى الحقيقي، فالموت لن يغلق أبواباً فتحت على الوعي والنور. رحل الجسد، لكن روحه تبقى حاضرة في تفاصيل حياتك، في نظرة أمه، في هدوء البيت مع تلاوة المصحف، في لحظات تأملك أثناء الكتابة، في الرائحة التي تسبق الدعاء، وفي الصدى الذي يتردد إلى الأبد. أنت تربي أبناءك على المعنى لا على النسب فحسب، لذا سيظل حسن سطراً مضيئاً في كتاب حياتك، يذكرك بأن ما يخلده الإنسان هو الأثر لا العمر. يا صديقي، اعلم أن الله عندما يأخذ، يرفع ما نحب إلى مقام أعلى، يختبر إيماننا، ويمنحنا من الألم ما يرقق القلوب ويعيد ترتيب الأولويات. ستبقى بيتكم كما كان، مليئاً بالعلم والأدب والصبر، وسيظل سكان جازان يشعرون بوجعك كأنه وجعهم، قائلين معك: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم ارحم حسن وامنح والديه سلواناً يليق بأهل النور. وتعلم، يا أبا حسن، أن الأب لا يفقد ابنه إلى الأبد، بل يودعه إلى الله، ويراه في كل صباح جديد مبتسماً من الغيب. سلام على حسن في عليائه، وعلى قلبك الكبير، وعلى الأم الصابرة التي جعلت من الدعاء صلاة لا تنقطع. في النهاية، يبقى الفقد تجربة تعلمنا كيف نحول الألم إلى قوة، ونبني على أنقاض الغياب جسوراً من الأمل والتذكر.