2.2 مليون طفل يمني يتجاهلون المدارس.. كيف تفرض أزمة الرواتب رحلات تعليمية يومية طويلة؟
تُجبر أزمة الرواتب المتفاقمة في اليمن ملايين الأطفال على تحمل مشقات يومية، حيث يضطرون لقطع مسافات طويلة للوصول إلى المدارس الناقصة الخدمات. وفقاً للواقع الميداني، يجد أكثر من 2.2 مليون طفل أنفسهم خارج نظام التعليم، بينما يحتاج 8 ملايين آخرين إلى دعم فوري لاستمرار دراستهم، مما يعكس حجم الكارثة التي تهدد مستقبلهم.
أزمة الرواتب تهدد التعليم اليمني
في ظل هذه الأزمة، أصبح أكثر من نصف المعلمين اليمنيين، الذين يصل عددهم إلى 190 ألف معلم، مجبرين على البحث عن وظائف بديلة منذ عام 2016 بسبب تأخر صرف الرواتب، مما خلق نقصاً حاداً في الكوادر التعليمية. هذا الوضع أدى إلى تعطيل عمليات التدريس في العديد من المناطق، حيث يفتقر العديد من المدارس إلى المعلمين المؤهلين، وتتراجع جودة الدروس إلى بضع ساعات يومياً فقط. في محافظة ريمة، على سبيل المثال، يروي الطفل برهان الحاج، البالغ من العمر 12 عاماً، كيف يقطع مسافة تزيد عن ساعتين سيرًا على الأقدام للوصول إلى مدرسة في منطقة بني يعفُر، بينما مدرسته المحلية غير قادرة على تقديم تعليم فعال. يقول برهان: “أستيقظ مبكراً لأصل إلى مدرسة بعيدة، لكن الدراسة هناك لا تتجاوز ثلاث ساعات، ونغادر دون إكمال الدروس المنتظرة”. وتؤكد معلمة متطوعة مثل ابتهال أحمد أن الكثير من المواد الأساسية، مثل الرياضيات والعلوم، غير مدرسة بسبب غياب المعلمين، مما يجعل المدارس شبه خالية من الكوادر التربوية. هذه الظروف دفعت بعض المعلمين إلى ابتكار حلول مؤقتة، مثل دمج فصول متعددة في حصة واحدة، لكنها تبقى غير كافية لسد الفجوة.
الأزمة التعليمية في اليمن
مع تفاقم الوضع، أدى انقطاع الرواتب إلى نزوح ملايين الأطفال عن مناطق الصراع، حيث تم نزوح أكثر من 1.7 مليون طفل، مما زاد من حجم الأزمة. يروي إبراهيم أحمد، أحد المهاجرين من ريمة، كيف غادر مع عائلته بسبب ضعف الخدمات التعليمية وانعدام مصادر الدخل، قائلاً: “انتقلت إلى صنعاء للعمل كمساعد معلم بناء، حيث يتمكن أولادي على الأقل من متابعة دراستهم، بخلاف الوضع في قريتنا”. في المحافظات الأخرى، تشهد جهود محدودة لصرف الرواتب، مثل الإعلانات من بعض البنوك التجارية في عدن عن صرف رواتب لموظفي مايو ويونيو 2025، إلا أنها تبقى غير كافية لتلبية الاحتياجات الواسعة. كما أن هجرة العديد من المعلمين إلى السعودية بحثاً عن فرص عمل قد فاقمت النقص في الكوادر، كما يشير إبراهيم: “ما فائدة التمسك بوظيفة دون راتب؟”. يحلم برهان بأن يصبح مهندساً ليبني مدارس قريبة من قراه، قائلاً: “التعليم هو الطريق الوحيد للخروج من هذا الوضع”. أما ابتهال، المعلمة المتطوعة، فتقول: “نحن نكافح لنحافظ على الحلم، رغم أن الوضع يشبه أسوأ ما في العالم”. في النهاية، تظل أحلام ملايين الأطفال معلقة بين الجبال والوديان، بانتظار حلول تعيد بناء نظام تعليمي متكامل.

تعليقات