Gulf States Replace Guardian of Their Renaissance

دول الخليج تستبدل حارس نهضتها: تحول استراتيجي في سياسة خارجية المنطقة

مقدمة

في السنوات الأخيرة، شهدت دول الخليج، وهي تشمل السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان والبحرين والكويت، تحولاً جذرياً في سياساتها الخارجية. التعبير “حارس نهضتها” يشير إلى الحليف التقليدي الذي حمى تقدمها الاقتصادي والأمني، وغالباً ما كان يعني الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، مع تزايد التوترات الجيوسياسية وتغير التوازنات العالمية، بدأت هذه الدول في استبدال “الحارس” التقليدي بنوآخة أخرى، مثل الاتحاد الصيني أو الروسية، في محاولة لتنويع علاقاتها الاستراتيجية. في هذا المقال، نستعرض خلفيات هذا التحول، أسبابه، وتأثيراته المحتملة على المنطقة.

خلفية التسمية ودور “الحارس” التقليدي

كلمة “نهضة” هنا تشير إلى التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته دول الخليج منذ منتصف القرن العشرين، بدءاً من اكتشاف النفط وصولاً إلى التنويع الاقتصادي الحديث. لعقود طويلة، كانت الولايات المتحدة “حارس” هذه النهضة من خلال اتفاقيات الأمن المتبادلة، مثل اتفاقيات مجلس التعاون الخليجي (GCC) مع واشنطن. على سبيل المثال، كانت القوات الأمريكية مسؤولة عن حماية مضائق هرمز ومنع أي تهديدات إيرانية، كما ساهمت في دعم الاستقرار السياسي خلال أزمات مثل غزو الكويت في عام 1990.

ومع ذلك، شهدت العلاقات بين دول الخليج والولايات المتحدة تراجعاً تدريجياً. فمع صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية، وبروز روسيا كلاعب إقليمي، بدأت دول الخليج في إعادة تقييم خياراتها. هذا التحول لم يكن مفاجئاً؛ فالولايات المتحدة نفسها قللت من التزاماتها في المنطقة، كما حدث في سلسلة من السياسات تحت إدارة ترامب وبعد ذلك بايدن، حيث ركزت على منافساتها مع الصين وروسيا في أماكن أخرى مثل آسيا وأوروبا.

أسباب الاستبدال: تحديات اقتصادية وسياسية

هناك عدة عوامل دفعت دول الخليج نحو استبدال “الحارس”:

  1. التغيرات الاقتصادية العالمية: مع تراجع أسعار النفط، أصبحت دول الخليج بحاجة إلى تنويع شركاءها التجاريين. على سبيل المثال، الصين أصبحت أكبر شريك تجاري للسعودية والإمارات، حيث تشكل الصين أكثر من 10% من إجمالي التجارة الخارجية لدول الخليج. اتفاقيات مثل “الحزام والطريق” الصينية ساعدت في تمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة، مثل مشروع نيوم في السعودية، مما جعل بكين “حارساً” بديلاً للنهضة الاقتصادية.

  2. التوترات السياسية مع الولايات المتحدة: أحداث مثل اتفاق النووي الإيراني (2015) وانسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018 أثار مخاوف دول الخليج من عدم الثقة في التزامات واشنطن طويلة الأمد. كما أن سياسات الولايات المتحدة تجاه القضايا الحقوقية، مثل تقرير خاشقجي، أدت إلى توترات مع السعودية. نتيجة لذلك، رحبت دول الخليج بمنصة روسيا في المنطقة، خاصة من خلال اتفاقيات الطاقة والأمن، كما حدث في اجتماعات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك+).

  3. البحث عن الاستقلال الاستراتيجي: على مستوى مجلس التعاون الخليجي، بدأت دول مثل الإمارات في بناء قوتها العسكرية المستقلة، مثل شراء طائرات الدرونز من الصين، مما يقلل الاعتماد على التسليح الأمريكي. كما أن اتفاق إبراهيم (2020) مع إسرائيل أظهر رغبة الخليج في تشكيل تحالفات غير تقليدية، مما يفتح الباب لشراكات مع الشرق الأقصى.

أمثلة على التحول

  • الصين كحارس جديد: في عام 2022، وقعت السعودية اتفاقاً شاملاً مع الصين للاستثمارات في قطاعي الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، مما يعزز من دور بكين كشريك اقتصادي رئيسي. كذلك، أصبحت الإمارات مركزاً تجارياً رئيسياً للصين في الشرق الأوسط.

  • روسيا في الصورة: قطر، على سبيل المثال، تعزز علاقاتها مع موسكو من خلال اتفاقيات الغاز الطبيعي، خاصة في ظل الحرب في أوكرانيا التي دفع بعض الدول الخليجية للتوازن بين المصالح الغربية والروسية.

  • التحديات الإقليمية: مع تصعيد التوتر مع إيران، أصبحت دول الخليج أكثر تنويعاً في تحالفاتها، حيث لم تعد تعتمد حصراً على الحماية الأمريكية، بل سعت للوساطة الدبلوماسية مع طهران، كما فعلت السعودية في عام 2023.

العواقب والتحديات

رغم أن هذا التحول يبدو إيجابياً لتنويع الخيارات، إلا أنه يثير مخاوف عدة. أولاً، قد يؤدي إلى تفكك التحالفات التقليدية، مما يجعل المنطقة أكثر عرضة للتوترات، خاصة مع احتمال تصعيد الصراع مع إيران. ثانياً، الاعتماد على الصين يأتي مع مخاطر، مثل التبعية الاقتصادية لسياسات بكين التجارية الصارمة. أخيراً، قد يؤثر هذا على دور الولايات المتحدة، مما يدفعها لإعادة تقييم علاقاتها، ربما من خلال زيادة الضغوط الدبلوماسية.

خاتمة

تحول دول الخليج من “حارس نهضتها” التقليدي يمثل خطوة استراتيجية نحو مستقبل متعدد الأقطاب، حيث تهدف إلى الحفاظ على استقلالها وسط تغيرات العالم. ومع ذلك، يجب أن تكون هذه الدول حذرة لتجنب الوقوع في فخ التبعية الجديدة. إذا استمرت هذه الاتجاهات، قد تشهد المنطقة عصرًا جديدًا من الازدهار الاقتصادي، لكنه يتطلب توازناً دقيقاً بين الشركاء القدامى والجدد. في النهاية، النهضة الحقيقية تكمن في بناء قوة داخلية تتجاوز أي “حارس” خارجي.