وداعًا لـ”ملاهي عطا الله” رمز الجدّاويين في أجواء الأعياد – أخبار السعودية

في لحظة يتداخل فيها الحنين مع الذكريات العميقة، ينتهي عصر واحدة من أبرز رموز البهجة في جدة، حيث أغلقت أبواب ملاهي عطا الله إلى الأبد. كانت هذه الملاهي، التي استمرت لأكثر من أربعة عقود، أكثر من مجرد مكان للألعاب؛ إنها كانت جزءًا من نسيج الحياة اليومية لسكان جدة، حيث يتردد صدى ضحكات الأطفال والأعياد، وتنتشر رائحة الحلويات مثل غزل البنات، ويتألق ضوء الأراجيح على خلفية البحر في الكورنيش. هنا، بدأت قصص أجيال تربت على الفرح البسيط، لكن الآن ينتهي ذلك الفصل مع إسدال الستار على هذا المعلم الذي كان يجسد روح المدينة.

إغلاق ملاهي عطا الله

كانت ملاهي عطا الله وجهة لا تُنسى في جدة، حيث كانت تمثل إحدى أبرز علامات المدينة خلال أعيادها ومناسباتها. لم تكن هذه الملاهي مجرد أماكن ترفيهية، بل كانت محطة تجمع الأسر في كل موسم، حيث يختلط نسيم البحر بروائح الذكريات الحية، ويعيد الزائرين إلى طفولتهم من خلال البالونات الملونة والألعاب المتألقة التي تضيئ مساءات جدة. الآن، مع طي صفحتها، لم تنصرف هذه الملاهي فقط، بل حملت معها جزءًا كبيرًا من تراث المدينة، حيث كانت تشكل جزءًا من هوية جدة الاجتماعية والعاطفية. منذ إنشائها، قدمت مساحة تجمع بين الضوء والضحك، مما جعلها رمزًا للفرح الجماعي، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الأهالي الذين يتذكرونها بكل حنان.

التراث الترفيهي

في سياق التراث الترفيهي، يُعتبر إغلاق ملاهي عطا الله خسارة لعنصر أساسي من ماضي جدة، إذ ينضم إلى قافلة المعالم التقليدية التي اختفت مع مرور الزمن، مثل بحيرة القطار ودوّار الطيارة ودوّار السفن، بالإضافة إلى ألسنة النورس التي كانت ترحب بزوار البحر. هذه المعالم جميعها كانت جزءًا من النسيج الثقافي للمدينة، حيث كانت تعكس جوهر الطفولة والبهجة في عصر سابق، ومع رحيلها، تبدو جدة مشغولة بتصالح نفسها مع تحولاتها الحديثة، مثل الأبراج العالية والمراكز التجارية الجديدة. ومع ذلك، يظل التراث الترفيهي حيًا في الذكريات، كما أن ملاهي عطا الله لم تكن مجرد ألعاب، بل كانت جسراً عاطفياً يربط بين الأجيال، حيث يتذكر الكبار أول مرة يصعدون فيها الأراجيح ويرفعون أعينهم نحو السماء، في مشهد يجسد براءة الطفولة. اليوم، يفقد سكان جدة جزءاً من وجدانهم، لأن هذه الملاهي كانت صفحة من صفحات الذاكرة العاطفية للمدينة، حيث كانت تجمع بين الدهشة والسعادة في كل زيارة.

مع مرور السنين، أصبحت جدة مدينة تتمتع بتطور سريع، لكن هذا التطور يأتي على حساب فقدان بعض الرموز التقليدية التي شكلت هويتها. ملاهي عطا الله لم تكن مجرد مكان، بل كانت تعبيراً عن الفرح الشعبي، حيث كانت تساهم في بناء ذكريات مشتركة للأسر والأصدقاء. الآن، حين يغلق بابها، يدفعنا ذلك إلى التفكير في كيفية الحفاظ على هذه التراثات، سواء من خلال الذاكرة الشفهية أو الجهود الثقافية لإحياء بعض جوانبها. في النهاية، تبقى جدة مدينة حية، تحاول التوفيق بين ماضيها الساحر وحاضرها المتطور، مع الأمل في أن يستمر الفرح القديم في العثور على أشكال جديدة تجسد روح المدينة وتاريخها الغني.