حوار الفنون في احتفال مكتبة محمد بن راشد باليوم العالمي للتراث السمعي والبصري

حوار بين الفنون في احتفال مكتبة محمد بن راشد بيوم التراث السمعي والبصري

المقدمة: احتفال بالتراث الذي يجمع بين الصوت والصورة

في عالم يتسارع فيه التطور التقني، يظل التراث السمعي والبصري شاهداً حياً على تاريخ البشرية وثقافاتها المتنوعة. يوم التراث السمعي والبصري العالمي، الذي يصادف الـ27 من أكتوبر كل عام، يُعد مناسبة عالمية ينظمها اليونسكو للاحتفاء بالأفلام، التسجيلات الصوتية، والأرشيفات البصرية التي تحافظ على ذاكرة الإنسانية. في هذا السياق، نظمت مكتبة محمد بن راشد في دبي، الإمارات العربية المتحدة، احتفالاً مميزاً يعكس التزامها بحماية التراث الثقافي، حيث كان عنوان الحدث الرئيسي “حوار بين الفنون”. جمع هذا الاحتفال بين الفنون المختلفة، مثل الموسيقى، السينما، الرقص، والفن البصري، في تفاعل إبداعي يبرز قوة التراث السمعي والبصري في بناء جسر ثقافي بين الأجيال والشعوب.

خلفية الحدث: دور مكتبة محمد بن راشد في تعزيز الثقافة

مكتبة محمد بن راشد، التي تحمل اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء الإماراتي ورئيس حكومة دبي، تعد واحة ثقافية حديثة تجمع بين التقنية والتراث. تعمل المكتبة على جمع وصيانة مئات الآلاف من المواد السمعية والبصرية، من أفلام تاريخية إلى تسجيلات صوتية للشعراء والموسيقيين العرب. في احتفالها السنوي بيوم التراث السمعي والبصري، اختارت المكتبة هذا العام التركيز على مفهوم “الحوار بين الفنون”، الذي يعني دمج العناصر الفنية بطريقة تجعلها تتفاعل وتتكامل، مما يعزز الوعي بأهمية هذا التراث في عصرنا الرقمي.

كان الحدث يهدف إلى إظهار كيف يمكن للفنون أن تتواصل عبر الزمن، حيث جمع بين التراث الشفهي، مثل القصص الشعبية المسجلة، والفنون البصرية، مثل الأفلام والمعارض الفنية. شارك في الاحتفال فنانون محليون ودوليون، إلى جانب خبراء من اليونسكو، ليحولوا المكتبة إلى مسرح حي للحوار الإبداعي.

الحوار بين الفنون: تفاعل يعيد إحياء التراث

في صالة المكتبة الرئيسية، التي تحولت إلى معرض فني مفتوح، بدأ الحدث بعرض سينمائي مميز يجمع بين الفيلم التقليدي والفنون الأدائية. تم عرض فيلم وثائقي عن التراث الإماراتي، مثل حياة البدو في الصحراء، لكنه لم يكن عرضاً عادياً. رافق الفيلم عزف موسيقي حي من قبل فرقة موسيقية إماراتية، حيث دمجت الموسيقى التقليدية، مثل الربابة والطبل، مع إيقاعات حديثة مستوحاة من الأفلام العالمية. هذا التكامل أظهر “حواراً بين الفنون”، حيث أصبحت الموسيقى تعزز القصة البصرية، مما جعل الجمهور يشعر بالانغماس العاطفي في التراث.

أحد الجوانب البارزة كان ورشة عمل بعنوان “الرقص يروي القصة”، حيث شاركت راقصة إماراتية في أداء رقص شعبي يعكس حكايات من التسجيلات الصوتية القديمة. رافق الرقص عرض صور فوتوغرافية تاريخية من أرشيف المكتبة، مما خلق حواراً بصرياً وسمعياً يربط بين الحركة الجسدية والصور المنقوشة في الزمن. قالت الفنانة المشاركة: “الرقص هنا ليس مجرد حركة، بل هو حوار مع الماضي، يجعلنا نرى كيف يمكن للفنون أن تترجم التراث إلى لغة معاصرة”.

كما شمل الحدث جلسات نقاشية جمعت بين خبراء في السينما والموسيقى. من بينهم، كان هناك نقاش حول كيف ساهمت التسجيلات الصوتية في حفظ التراث الشفهي، مثل قصص جدودنا العربية، وكيف يمكن دمجها مع الفن البصري الحديث، مثل الفن الرقمي والرسوم المتحركة. تم استعراض أمثلة مثل استخدام الأفلام الوثائقية لسرد قصص شعبية من خلال الرسومات اليدوية، مما يعكس الاندماج بين الفنون التقليدية والتقنيات الرقمية.

لم يقتصر الحدث على العروض الفنية، بل شمل أنشطة تفاعلية للجمهور، مثل ورش تصميم فيديو قصير يجمع بين الصوت والصورة، حيث يتعلم المشاركون كيف يدمجون الموسيقى مع الفيديو ليرووا قصة شخصية. هذه الأنشطة لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت دعوة للحوار بين الأجيال، حيث شارك الأطفال والشباب مع كبار السن في استعادة ذكريات التراث.

أهمية الحدث وتأثيره على المجتمع

أكدت مكتبة محمد بن راشد من خلال هذا الاحتفال أن الحوار بين الفنون ليس مجرد فكرة أكاديمية، بل هو أداة قوية للحفاظ على التراث في عصر الرقمنة. في وقت يواجه فيه التراث السمعي والبصري مخاطر الحفظ، مثل تآكل الأشرطة أو فقدان البيانات الرقمية، يبرز مثل هذا الحدث أهمية دمج الفنون لجعل هذا التراث حياً ومتصلاً بالحاضر.

في الختام، كان احتفال مكتبة محمد بن راشد بيوم التراث السمعي والبصري مناسبة لا تُنسى، تجسد قيمة “الحوار بين الفنون” كوسيلة لتعزيز التنوع الثقافي والتواصل العالمي. من خلال هذا الحدث، أصبحت المكتبة رمزاً للتعاون بين التراث والإبداع، مشجعة الجميع على المساهمة في حفظ هذا الكنوز الثمين. إن مثل هذه الاحتفالات تذكرنا بأن الفنون ليست معزولة، بل هي حوار مستمر يربط بين الماضي والمستقبل.