انخفاض كبير في اعتماد السعودية على النفط المباشر وغير المباشر إلى 68%

قال فيصل الإبراهيم، وزير الاقتصاد والتخطيط في السعودية، إن البلاد قد حققت تقدماً ملحوظاً في تنويع اقتصادها، حيث انخفض الاعتماد المباشر وغير المباشر على النفط من مستويات تجاوزت 90% إلى حوالي 68% في السنوات الأخيرة. هذا التحول يعكس جهوداً واعية لتعزيز القطاعات غير النفطية، التي تشكل الآن 56% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وهو رقم يتجاوز مساهمات القطاعين النفطي والحكومي معاً. خلال مشاركته في جلسة منتدى حوار برلين العالمي 2025، أبرز الوزير أن السعودية ما زالت في مراحلها الأولى من هذا التحول الاقتصادي الكبير، مع إشارة إلى أن الإحصائيات تظهر اقتصاداً أصبح أكثر مرونة واستدامة، يعتمد بشكل أكبر على الإنتاجية بدلاً من الإنفاق الحكومي المباشر.

التحول الاقتصادي في المملكة العربية السعودية

يؤكد هذا التحول أن القوة الحقيقية لأي دولة لا تقتصر على مواردها الطبيعية فحسب، بل تكمن في قدرتها على استثمار هذه الموارد بكفاءة عالية وبناء مؤسسات فعالة تتيح توجيه السياسات العامة بشكل مدروس. على سبيل المثال، أشار الإبراهيم إلى أهمية التعاون الدولي، حيث يُعتبر التعامل الجاد مع الشركاء العالميين ضرورياً لصياغة نظام اقتصادي عالمي يتمتع بمزيد من الاستقرار. في السياق نفسه، ألقى الضوء على دور الحكومة في دعم القطاع الخاص، مشدداً على أن التدخل الحكومي يجب أن يكون محسوباً بعناية لإزالة العوائق والمخاطر التي تحول دون نمو هذا القطاع. ومع ذلك، يجب ألا يصبح هذا التدخل بديلاً عن آليات السوق والتنافسية، بل أداة توازن تساعد في تعزيز الديناميكية الاقتصادية.

وفي الجوانب الاستراتيجية، أكد الوزير أن السعودية تقوم بتحليل دقيق لمصالحها الاقتصادية على المدى الطويل، مع اتخاذ قرارات تعزز إمكاناتها المستقبلية دون التفريط في الشراكات الدولية المتوازنة. هذا النهج يركز على ضمان استقرار الأسواق العالمية، مع الحفاظ على قدرة المملكة على تلبية الطلب العالمي على الطاقة. على سبيل المثال، ذكر أن السعودية تعمل حالياً على تعديل سياساتها المتعلقة بالإنتاج، بما في ذلك إلغاء بعض الخفض الطوعي في الإنتاج النفطي، كجزء من جهود أوسع لتحقيق توازن اقتصادي مستدام. هذه الخطوات تبرز التزام السعودية ببناء اقتصاد يعتمد على الابتكار والتنويع، مما يعزز من قدرتها على مواجهة التحديات العالمية مثل تقلبات أسعار الطاقة وتغير المناخ.

تنويع الاقتصاد السعودي نحو الاستدامة

يعكس تنويع الاقتصاد السعودي جهوداً شاملة لتطوير قطاعات مثل السياحة، التكنولوجيا، والخدمات، مما يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتقليل التأثيرات السلبية للتبعية على النفط. على سبيل المثال، أصبحت المبادرات الحكومية مثل برنامج “رؤية 2030” محركاً رئيسياً لهذا التحول، حيث تركز على بناء بنية تحتية قوية ودعم الشركات الناشئة. هذا النهج ليس مجرد إصلاح داخلي، بل يمتد ليشمل مشاركة دولية فعالة في المفاوضات الاقتصادية العالمية، مثل تلك المتعلقة بمنظمة التجارة العالمية أو اتفاقيات المناخ. بالإضافة إلى ذلك، يسعى الاقتصاد السعودي إلى تعزيز الإنتاجية من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب، مما يؤدي إلى زيادة كفاءة القوى العاملة وجعلها أكثر قدرة على المنافسة عالمياً. في الختام، يمكن القول إن هذه الاستراتيجيات لن تقتصر على تحقيق الاستقلال الاقتصادي، بل ستسهم في بناء مستقبل أكثر أمناً وازدهاراً، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات البيئية والاجتماعية. هذا التحول يمثل نموذجاً قد يلهم دولاً أخرى تعتمد على موارد طبيعية وحيدة، حيث يبرز أهمية الابتكار والتكيف مع التغييرات العالمية. بشكل عام، يؤكد هذا النهج أن الاقتصاد السعودي لم يعد يعتمد على موارد محددة، بل أصبح يعتمد على رأس المال البشري والتقني لضمان نمو مستدام.