احتفاء بالمبدعين وحماة التراث في مهرجان الظفرة للتمور
في قلب الإمارات العربية المتحدة، حيث تمتد الصحراء الشاسعة وتزخر بغنى التاريخ والثقافة، يقف مهرجان “الظفرة للتمور” كرمز حي للاحتفاء بالإرث الزراعي العريق. هذا المهرجان، الذي يعود تقليده إلى جذور مجتمع الظفرة الأصيلة، ليس مجرد حدث تجاري أو زراعي، بل هو احتفال كبير يبرز دور المبدعين الذين يبتكرون ويطورون، وأولئك الأبطال الذين يحمون هذا التراث من محن الزمن. في هذا المقال، نستكشف كيف يجسد المهرجان روح الإبداع والحفاظ، محتفين بأولئك الذين يجعلون من التمور رمزاً للصمود والجمال الثقافي.
جذور التراث: التمور كقصة وطنية
منطقة الظفرة، في غرب الإمارات، تُعد مهداً لزراعة التمور منذ عصور غابرة. هنا، حيث تتحد الصحراء مع الواحات الخضراء، أصبحت التمور جزءاً لا يتجزأ من الهوية الإماراتية. تاريخياً، كانت هذه الفاكهة المباركة مصدراً للعيش، فهي ليست مجرد غذاء بل رمز للصبر والإصرار في وجه الظروف القاسية. يحتفل مهرجان الظفرة للتمور، الذي يقام سنوياً، بتلك الجذور العميقة، حيث يعرض أفضل أنواع التمور المحلية مثل “الخلاص” و”المدينة”، ويجمع بين التقاليد العتيقة والابتكارات الحديثة.
لكن ما يجعل هذا المهرجان فريداً هو دوره في إبراز المبدعين الذين يحولون الزراعة التقليدية إلى فن عصري. في ساحات المهرجان، نجد فلاحين مثل الأستاذ محمد بن خليفة، الذي يعمل في حقول الظفرة منذ أكثر من ثلاثة عقود. هذا الرجل، بابتكاراته في طرق الري الحديثة مثل استخدام تقنيات الري الدقيق، يجسد روح الإبداع. هو لم يقتصر على توريث المهنة، بل طورها بتكامل تقنيات الزراعة المستدامة، مما يضمن بقاء التراث مع مواجهة تحديات التغير المناخي. هؤلاء المبدعون، سواء كانوا علماء أم فلاحين، يثبتون أن الإبداع ليس إلا استمراراً للتراث بأدوات جديدة.
حماة التراث: حارسو الرواية والتقاليد
إلى جانب المبدعين، ينبض المهرجان بحياة حماة التراث، أولئك الأشخاص الذين يعملون بصمت للحفاظ على القيم الثقافية. في الظفرة، يرتفع صوت كبار السن مثل الجدة فاطمة، التي تروي قصصاً عن كيف كانت جداتها يحولن التمور إلى أطباق تقليدية مثل “الهريس” أو “الحلوى بالتمر”. هذه القصص ليست مجرد ذكريات، بل هي دروس حية تُنقل إلى الأجيال الشابة من خلال ورش العمل في المهرجان.
حماة التراث هنا ليسوا فقط أفراداً، بل مؤسسات ومبادرات تعمل على تسجيل وتوثيق هذا الإرث. على سبيل المثال، يعمل اتحاد الظفرة للزراعة مع خبراء ثقافيين لتسجيل الطرق التقليدية في زراعة التمور، مما يحميها من الاندثار. خلال المهرجان، تُقام معارض تصويرية وعروض فنية تعيد سرد قصة التمور كجزء من الهوية الإماراتية. هؤلاء الحماة يذكروننا بأن التراث ليس إلا سلسلة من القصص، وأن الحفاظ عليه يتطلب التزاماً يومياً.
الاحتفاء والدروس المستقبلية
في مهرجان الظفرة للتمور، يلتقي الماضي بالحاضر في احتفال يتجاوز الحدود الجغرافية. هذا الحدث لم يعد مقتصراً على الإمارات، بل يجذب زواراً من جميع أنحاء العالم، مما يعزز من دور التمور كرمز للثقافة العربية. لكن الأهم، هو كيف يسلط الضوء على المبدعين وحماة التراث كأبطال حقيقيين. ففي عالمنا السريع التحول، يذكرنا هؤلاء الأشخاص بأهمية التوازن بين التقدم والحفاظ.
ختاماً، يبقى مهرجان الظفرة للتمور دعوة لنا جميعاً للاحتفاء بالمبدعين الذين يصنعون المستقبل، وحماة التراث الذين يحمون الماضي. في زمن يهدد فيه التنمية السريعة بالكثير من التقاليد، يقدم هذا المهرجان نموذجاً مشرقاً لكيفية دمج الإرث في الحياة اليومية. دعونا نحن، كمجتمع، نلتزم بحماية هذا التراث، فهو ليس ملكاً للظفرة وحدها، بل للعالم بأسره. بالفخر والتقدير، نحيي كل من ساهم في صياغة هذه القصة الخالدة.

تعليقات