يواجه لبنان تحديات سياسية وأمنية كبيرة في الفترة الحالية، حيث يركز الجنوب كمنطقة حيوية لتعزيز سيادة الدولة، وتُشكل المفاوضات المتوقعة مع إسرائيل اختباراً حاسماً لمستقبل البلاد. لم يعد السؤال يدور حول ما إذا كانت هذه المفاوضات ستحدث، بل يتعلق بشكلها: هل ستكون مباشرة تحت تأثير الضغوط الأمريكية، أم غير مباشرة تمنح مساحة للمناورة الدبلوماسية؟ الأمر الأكثر أهمية هو ما إذا كان لبنان قادراً على استغلال هذه الفرصة لاستعادة سيطرته على قراره الوطني، أم أنه سيعتمد على قبول الشروط الخارجية المفروضة.
لبنان في مواجهة الضغوط الإقليمية
في هذا السياق، يُؤكد المبعوث الأمريكي توم براك أن لبنان يواجه خيارين صعباين: إما نزع سلاح حزب الله لضمان الاستقرار، أو التعرض لتحركات إسرائيلية تهدف إلى إعادة رسم الحدود. هذا النهج يجعل لبنان جزءاً من عملية سلام أوسع تشمل سوريا، حيث يُنظر إلى نزع السلاح كشرط أساسي للأمن الإقليمي. الرسالة الأمريكية، الموصوفة بأنها “الفرصة الأخيرة”، تتجاهل اتفاقات سابقة مثل اتفاق الهدنة وقرار 1701 واتفاق 27 أكتوبر، وتهدف إلى دفع لبنان نحو مفاوضات مباشرة تقبل ترتيبات أمنية تتجاوز اتفاق 17 أيار. على الأرض، يعكس المشهد الأمني هذه الضغوط من خلال المناورات العسكرية الإسرائيلية المكثفة على الحدود، بالإضافة إلى التحليق الدائم للطائرات المسيرة فوق مناطق حيوية مثل بيروت والمواقع الحكومية. هذه الإجراءات تهدف إلى إجبار لبنان على إعادة تشكيل قواعد الصراع وتقييم قدرته على إدارة الملف التفاوضي.
التحديات السياسية في الجمهورية
على المستوى الداخلي، يبدو الوضع معقداً، إذ دعا الرئيس اللبناني جوزف عون إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية كشرط أساسي لإجراء مفاوضات غير مباشرة، مستنداً إلى نجاح تجربة ترسيم الحدود البحرية. ومع ذلك، قلل رئيس مجلس النواب نبيه بري من أهمية هذا الاقتراح، مشيراً إلى أن إسرائيل قد عرقلت التقدم، مع الإصرار على أن آلية الميكانيزم تظل الإطار الرئيسي. رغم ذلك، لم تصدر أي ردود رسمية من إسرائيل ترفض أي صيغة تفاوضية، ومع غياب تعليق أمريكي مباشر، يبقى الموقف مترتباً على تقييمات الحكومة اللبنانية والمبعوثين الدوليين. خلال الأشهر المتبقية من العام، يواجه لبنان ثلاثة سيناريوهات رئيسية: أولاً، المسار غير المباشر عبر آلية الميكانيزم، الذي قد يؤجل التوترات الداخلية ويحافظ على الاستقرار، لكنه لا يضمن سيطرة كاملة على القرارات الأمنية. ثانياً، المسار المباشر تحت إشراف أمريكي، الذي قد يؤدي إلى اتفاقات جزئية حول الحدود، لكنه يحمل مخاطر انقسام سياسي حاد داخل البلاد. أما السيناريو الثالث، فهو التصعيد الإسرائيلي في حال تأخر لبنان، مما قد يؤدي إلى مواجهات حقيقية في الجنوب تهدف إلى فرض شروط غير متكافئة.
في الختام، يتطلب الأمر من لبنان أن يثبت قدرته على تجاوز دور المتلقي للضغوط، وأن يستثمر أي هامش للمبادرة لتحديد دوره في المستقبل. هذا الاختبار يتجاوز السياسة اليومية ليصنع مصير الدولة في ظل التحديات الإقليمية. يجب على القادة اللبنانيين التركيز على بناء تحالفات داخلية وقرارات مستقلة لمواجهة هذه الظروف، مع التأكيد على أن الاستقلال الوطني ليس تفاوضياً. بالنظر إلى التطورات الحالية، فإن النجاح في هذه المرحلة يعتمد على دمج الجهود الداخلية مع الحذر الدبلوماسي، لضمان أن أي اتفاق يحقق مصالح لبنان دون التفريط في سيادته. هذا النهج يمكن أن يفتح الباب أمام استدامة السلام، على أمل تجنب التصعيد وتعزيز دور لبنان كلاعب إيجابي في المنطقة.

تعليقات