كادت مطار نيس الفرنسي أن يشهد إحدى أكثر الحوادث الجوية خطورة في تاريخه، حين اقتربت طائرتان من الاصطدام ببعضهما البعض بمسافة لا تتجاوز ثلاثة أمتار فقط. كان على متن هاتين الطائرتين أكثر من 358 راكباً وطاقماً، في مشهد يذكرنا بمدى هشاشة سلامة الطيران رغم التقدم التكنولوجي.
كارثة جوية تفاديت في اللحظة الأخيرة
في تلك الليلة من 21 سبتمبر، وتحت ظروف جوية سيئة تضمنت رؤية محدودة، انحرفت طائرة تابعة لشركة نوفيل إير التونسية، الرحلة رقم 586، نحو المدرج الخاطئ رغم التحذيرات المتكررة من برج المراقبة. كان الطيار، الذي يحمل جنسية تايلندية، قد خطط للهبوط على المدرج الأيسر، لكنه أصر على التوجه نحو المدرج الأيمن حيث كانت طائرة أخرى من شركة إيزي جيت تستعد للإقلاع. تجاهل الطيار خمسة طلبات مباشرة لتأكيد مساره، مما أثار مخاوف حول تركيزه أو فهمه للتعليمات.
خطر اصطدام طائرات بسبب عوامل بيئية
مع ذلك، في اللحظات القليلة الأخيرة، انتبه الطيار إلى الخطأ الفادح وقام بتصحيح مسار الطائرة بسرعة، مما ساهم في تفادي الكارثة بشكل معجزي. يرجح المحققون أن التكوين المعقد لمطار نيس كان السبب الرئيسي، إذ يتميز المطار بمدارج متعددة تختلف في مستوى الإضاءة، حيث كانت المدارج اليمنى أكثر إشراقاً بسبب وجود الطائرة المستعدة للإقلاع. هذا الفرق في الإضاءة، خاصة في ظروف الرؤية المنخفضة، قد يكون خدع الطيار وأدى إلى سوء التقدير. كما أن الظروف الجوية، بما فيها الضباب والرياح، لعبت دوراً كبيراً في تعقيد الوضع.
هذا الحادث يبرز مجموعة من التحديات التي تواجه قطاع الطيران العالمي، حيث يتطلب الهبوط في مطارات مزدحمة أو معقدة مثل نيس درجة عالية من اليقظة والتدريب. على سبيل المثال، يشهد مطار نيس حركة مرور جوي كثيفة طوال العام، مما يزيد من خطر الخلل البشري أو الفني. في هذه الحالة، كان من الواضح أن الجودة المتنوعة للإضاءة بين المدارج قد ساهمت في خلق إحساس بصري خاطئ، خاصة للطيارين الذين يزورون المطار لأول مرة. ومع ذلك، فإن تفادي الاصطدام يعود جزئياً إلى الكفاءة في أنظمة التحكم الجوي، التي تمكنت من إصدار التحذيرات الفورية.
بعد الحادث، تم اتخاذ خطوات سريعة للتحقيق في الأمر، حيث فتح مكتب التحقيقات الفرنسي تحقيقاً شاملاً لفحص جميع الجوانب، بما في ذلك أداء الطيار وحالة المطار. كما شاركت الجهات الرسمية في فحص الإجراءات الروتينية لمنع تكرار مثل هذه الأخطاء، مثل تحسين الإضاءة وضبط بروتوكولات الاتصال بين الطيارين وبرج المراقبة. هذه التحقيقات تهدف إلى تعزيز السلامة الجوية، خاصة في المطارات ذات التصميم المعقد، لضمان أن يصبح مثل هذا الحادث درساً قيماً يساعد في منع المآسي المستقبلية.
في الختام، يذكرنا هذا الحادث بأهمية الالتزام بالإجراءات الأمنية في عالم الطيران السريع، حيث يمكن أن تكون لحظة واحدة من الغفلة سبباً في كارثة. من الضروري أن يتعلم القطاع من أخطائه، سواء من خلال تطوير التكنولوجيا مثل أنظمة التنبيه الآلي أو تحسين تدريب الطيارين، للحفاظ على حياة الملايين من الركاب. بالرغم من أن تفادي الاصطدام كان بمثابة نجاة، إلا أنه يؤكد على الحاجة الملحة للإصلاحات لجعل السماء مكاناً أكثر أماناً.

تعليقات