متحف زايد الوطني يجسّد روح الإمارات.. من «عيشي بلادي» حتى العطر
في قلب أبوظبي، المدينة التي تتنفس تاريخاً حياً، يقف متحف زايد الوطني كرمز شامخ لروح الإمارات العربية المتحدة. هذا المتحف، الذي يحمل اسم المؤسس الأكبر للبلاد، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ليس مجرد مبنى أثري، بل هو حارس للتراث الثقافي والتاريخي الذي يعكس هوية الإمارات من خلال معارضه الغنية والمتنوعة. يجسد المتحف هذه الروح من خلال رحلة تاريخية تبدأ من أبسط تفاصيل الحياة اليومية، كما في معرض “عيشي بلادي”، وتنتهي بفنون رفيعة المستوى مثل صناعة العطور، مما يرسم صورة كاملة للإمارات كأمة تجمع بين الماضي والحاضر بسلاسة.
الجذور العميقة: من “عيشي بلادي” إلى قلب التراث
يبدأ الزائر رحلته في متحف زايد الوطني باستكشاف أقسام تعيد بعث الحياة اليومية في الإمارات القديمة. هنا، يبرز معرض “عيشي بلادي” كواحد من أبرز العناصر التي تجسد جوهر الروح الوطنية. رغم أن التسمية قد تكون شائعة بين الزوار كتعبير عن الحياة في البلاد، إلا أنها تعكس في الواقع مجموعة من المعارض التفاعلية التي تسلط الضوء على التقاليد الشعبية، مثل الملابس التقليدية، الأدوات اليومية، والأنشطة الاجتماعية التي كانت جزءاً لا يتجزأ من حياة أجدادنا في الإمارات.
في هذا المعرض، يجد الزائر نفسه وسط عالم حي يعيد إحياء القرى التقليدية التي كانت تعتمد على الصيد، الزراعة، والصناعات اليدوية. على سبيل المثال، يُعرض نماذج حقيقية من المساكن التقليدية، والأدوات الزراعية مثل الدلو والحصاد، إلى جانب معروضات عن الأطعمة التقليدية مثل التمر والحليب المجفف. هذه العناصر ليست مجرد آثار، بل هي قصص حية تروي كيف بنى الإماراتيون مجتمعهم على أساس من الصبر والعمل الدؤوب. يقول مديرو المتحف إن “عيشي بلادي” يهدف إلى تعزيز الشعور بالانتماء، خاصة بين الجيل الشاب، من خلال جعلهم يشعرون بأن التراث ليس مجرد ذكريات، بل هو جزء من هويتهم اليومية. هذا القسم يذكرنا بأن روح الإمارات تكمن في تلك الروابط العائلية والاجتماعية التي تجمع بين الماضي والحاضر.
رحلة العطور: فن الإمارات بأريجه الخاص
عندما ننتقل إلى الجزء الآخر من المتحف، الذي يتعلق بالفنون الرفيعة، نجد أنفسنا أمام عالم من الرقي والأناقة، حيث يبرز قسم صناعة العطور كدليل آخر على كيفية تجسيد المتحف لروح الإمارات. العطر، كرمز ثقافي، ليس جديداً على المنطقة؛ فمنذ العصور القديمة، كانت الإمارات مركزاً تجارياً للتوابل والعطور، خاصة مع طرق التجارة التي كانت تربط بين الشرق والغرب عبر مضيق هرمز.
في هذا القسم، يعرض المتحف مجموعة من الأدوات التقليدية المستخدمة في صناعة العطور، مثل المكابس القديمة والأواني الزجاجية المستخدمة في استخراج الزيوت الطبيعية من المواد مثل العود، المسك، والورد. الزائر يمكنه تجربة الروائح التاريخية من خلال معارض تفاعلية، حيث يتعلم عن كيفية دمج هذه العناصر في الثقافة الإماراتية، سواء في الاحتفالات، الزواج، أو حتى في الطقوس اليومية. هذا القسم يبرز كيف أصبحت صناعة العطور جزءاً من الاقتصاد التاريخي للإمارات، وكيف تطورت الآن لتصبح صناعة حديثة تجمع بين التقاليد والابتكار.
ما يجعل هذا القسم مميزاً هو قدرته على ربط الماضي بالمستقبل؛ فبالإضافة إلى العروض التاريخية، يشمل المتحف ورش عمل تعليمية حيث يتعلم الزوار كيفية خلط العطور الحديثة، مما يعكس الروح الإماراتية المتطورة التي تحتفظ بجذورها بينما تنظر إلى الأمام. هذا الجانب يؤكد أن روح الإمارات ليست جامدة، بل هي ديناميكية، تجمع بين التراث والتطور.
المتحف كجسر نحو المستقبل
في الختام، متحف زايد الوطني ليس مجرد مكان للزيارة؛ هو تجربة تعيد تشكيل فهمنا لروح الإمارات. من “عيشي بلادي” الذي يأخذنا إلى جذور الحياة اليومية، مروراً بالعطور التي تثير الذاكرة، يعكس المتحف كيف أصبحت الإمارات أمة متحدة، مبنية على الإرث الثري لشيخ زايد. هذا المتحف يذكرنا بأن الوطنية ليست كلمات، بل هي في التفاصيل الصغيرة التي تجمعنا.
إذا كنت تبحث عن رحلة ثقافية حقيقية، فإن زيارة متحف زايد الوطني في أبوظبي ستكون الخيار الأمثل. هناك، ستشعر بروح الإمارات تنبض في كل زاوية، مما يدفعنا للاحتفاء بتراثنا ودفعه نحو مستقبل أفضل. فمن خلال هذه المعارض، ندرك أن الإمارات ليست مجرد أرض، بل هي قصة مستمرة من الإلهام والعزيمة.
تعليقات