30 عاماً من الترفيه والتسوق
جريدة الوطن – الرياض
في عام 2023، نحتفل بمرور 30 عاماً على تطور قطاعي الترفيه والتسوق في المملكة العربية السعودية، حيث تحولا من نموذج تقليدي محدود إلى عالم مترامي الأطراف يجمع بين الابتكار التكنولوجي والتنوع الثقافي. منذ بداية التسعينيات، شهد هذان القطاعان نهضة هائلة ساهمت في تشكيل نمط حياة المواطنين، معززة الاقتصاد الوطني وتعزيز جودة الحياة. في هذا التقرير، نستعرض رحلة ثلاثة عقود من التغييرات الرئيسية، والتحديات، والانجازات التي حققتها هذه القطاعات.
البدايات: من الأسواق التقليدية إلى التحول الأول
في أوائل التسعينيات، كان الترفيه والتسوق مرتبطان بشكل وثيق بالتقاليد المحلية. كانت الأسواق التقليدية مثل سوق الملز في الرياض أو سوق الفيحاء في الدمام مراكز التسوق الرئيسية، حيث يتجول الناس بين المتاجر الصغيرة لبيع الملابس والتوابل والمجوهرات. أما الترفيه، فكان يقتصر على الأنشطة العائلية مثل التنزه في الحدائق العامة أو حضور الأفراح الموسمية. ومع ذلك، بدأت بوادر التغيير مع انفتاح السعودية على العالم الخارجي، خاصة بعد الحرب العراقية في عام 1991، حيث ازدادت الحاجة إلى بناء مرافق حديثة لاستيعاب النمو السكاني والاقتصادي.
شهدت تلك العقدة الأولى إنشاء بعض المراكز التجارية الحديثة، مثل مركز الرياض التجاري الذي فتح أبوابه في عام 1994. كان هذا المشروع خطوة فاصلة، إذ أدخل مفهوم التسوق المتنوع تحت سقف واحد، مع دمج بعض الخدمات الترفيهية مثل المقاهي والألعاب. وفقاً لتقرير من وزارة التجارة، ساهم هذا التطور في زيادة حجم التجارة المحلية بنسبة تزيد عن 50% خلال العقدة الأولى.
العصر الذهبي: التوسع والابتكار في الألفية الجديدة
مع دخول الألفية الثالثة، شهد قطاعا الترفيه والتسوق قفزة نوعية بفضل التقدم التكنولوجي والإصلاحات الاقتصادية. في عام 2002، افتتح مركز “الملك عبد الله المالي” في جدة، الذي أصبح رمزاً للترفيه الحديث مع توفر دور السينما، المطاعم الدولية، والمناطق الترفيهية للأطفال. هذا التوسع لم يقتصر على المدن الكبرى، بل امتد إلى المناطق الأقل تنمية، مما ساعد في تقليل الفجوات الإقليمية.
في الجانب الترفيهي، ظهرت فعاليات كبيرة مثل مهرجان الجنادرية الذي يحتفل بالتراث الوطني، إلى جانب مهرجانات دولية مثل ريد سي بليمبيكس في جدة. أما التسوق، فقد تحول مع انتشار التجارة الإلكترونية؛ حيث أصبحت منصات مثل “سوق.كوم” و”أمازون” جزءاً أساسياً من حياة المستهلكين. وفقاً لإحصاءات الهيئة العامة للتجارة الإلكترونية، زاد حجم التجارة الرقمية من 1.5 مليار ريال في عام 2000 إلى أكثر من 200 مليار ريال في عام 2023.
ومع تنفيذ رؤية 2030، شهدت هذه القطاعات دعماً حكومياً كبيراً. على سبيل المثال، فتح دور السينما في عام 2018 بعد عقود من الغياب، مما أدى إلى زيادة عدد الزوار بنسبة 300% في السنة الأولى. قال الدكتور عبد الله الزهراني، خبير اقتصادي في جامعة الملك سعود: “لقد غيرت هذه الإصلاحات وجه السعودية، حيث أصبح الترفيه والتسوق محركين رئيسيين للاقتصاد، مساهمين في خلق ملايين الوظائف”.
التحديات والتأثيرات الاجتماعية
رغم النجاحات، لم يخلُ الثلاثون عاماً من التحديات. في الفترة الأولى، واجهت المراكز التجارية صعوبات في التوافق مع الثقافة المحافظة، مثل فرض قيود على بعض الأنشطة الترفيهية. كما أثر جائحة كورونا في عام 2020 على القطاعين، إذ انخفضت المبيعات بنسبة 40% بسبب الإغلاقات. ومع ذلك، ساهمت التكيفات الرقمية، مثل التسوق عبر الإنترنت، في التعافي السريع.
من الناحية الاجتماعية، غيرت هذه التطورات نمط الحياة، حيث أصبحت المراكز التجارية مكاناً للتجمعات العائلية والاجتماعية. كما ساهمت في تعزيز السياحة الداخلية، حيث يزور الملايين المنتجعات مثل مدينة الترفيه في الرياض سنوياً. وفقاً لمنظمة السياحة العالمية، يُقدر أن قطاع الترفيه يساهم بنحو 10% في الناتج المحلي الإجمالي.
نظرة إلى المستقبل: الابتكار المستمر
مع مرور 30 عاماً، يبدو أن القطاعين على أعتاب عصر جديد. برامج مثل “نيوم” و”القدية” تهدف إلى دمج الترفيه مع التكنولوجيا المتقدمة، مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي. يتوقع الخبراء أن يصل حجم سوق التسوق الإلكتروني إلى 500 مليار ريال بحلول عام 2030، مع زيادة الفرص الترفيهية للشباب.
في الختام، تمثل 30 عاماً من الترفيه والتسوق قصة نجاح سعودي، حيث تحولتا من مجرد احتياجات أساسية إلى ركائز التنمية الشاملة. مع استمرار الرؤية الوطنية، يبقى الأمل في مستقبل أكثر إشراقاً، يجمع بين الحفاظ على التراث والانفتاح على العالم. جريدة الوطن تتابع معكم هذه القصة النابضة بالحياة.
تعليقات