زايد الإنسانية: 33 عاماً في محاربة الجوع
في قلب التاريخ الحديث للإمارات العربية المتحدة، يظل اسم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رمزاً للإنسانية والعطاء. كان الشيخ زايد، الذي يُلقب بـ”أبو الإمارات”، أكثر من مجرد قائد سياسي؛ إنه رائد في مجال العمل الإنساني، خاصة في مجال محاربة الجوع. منذ توليه قيادة دولة الإمارات في عام 1971 وحتى وفاته في عام 2004، خاض الشيخ زايد معركة طويلة وشاقة لمكافحة الجوع في الإمارات وما وراءها، مدة تجاوزت 33 عاماً من الجهود المتواصلة. هذا المقال يستعرض تلك الرحلة الإنسانية الرائعة، التي جعلت من زايد رمزاً عالمياً للتنمية البشرية.
خلفية الشيخ زايد وروحه الإنسانية
ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في عام 1918 في أبوظبي، وترعرع في بيئة قاسية حيث كان الجوع والعوز جزءاً من الحياة اليومية في الخليج العربي. هذه التجربة الأولى شكلت رؤيته للعالم، فأدرك مبكراً أن محاربة الجوع ليست مجرد مساعدة عابرة، بل هي أساس لبناء مجتمعات قوية ومستدامة. عندما تولى قيادة الإمارات بعد اتحاد الإمارات في 1971، أصبح الشيخ زايد يرى في ثروات بلاده النفطية أداة لخدمة الإنسانية، لا غاية في حد ذاتها.
لقد كان الشيخ زايد يؤمن بأن “الإنسانية هي الأساس”، كما أعلن في خطاباته الشهيرة. لذا، بدأ مباشرة في وضع استراتيجيات لمحاربة الجوع داخل الإمارات، من خلال دعم الزراعة والصيد، وإنشاء مشاريع تأمين الغذاء للسكان. ومع مرور السنين، امتدت جهوده إلى العالم الإقليمي والدولي، حيث أصبحت الإمارات، تحت قيادته، مصدراً للمساعدات الإنسانية في مناطق الجوع مثل أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
33 عاماً من الجهود في محاربة الجوع
الفترة بين 1971 و2004 تمثل فصلاً مضيئاً في تاريخ محاربة الجوع عالمياً، حيث كرس الشيخ زايد حياته لتحويل الإمارات من دولة تعاني من نقص الموارد إلى قوة إنسانية عالمية. في السنوات الأولى من حكمه، ركز على تحقيق الأمن الغذائي داخل البلاد من خلال مشاريع الري والزراعة الحديثة، مثل مشروع “وادي زايد” الذي أدى إلى زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة كبيرة. كما دعم الشيخ زايد منظمات دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، حيث قدم مساهمات مالية وفنية لمكافحة الجوع في الدول النامية.
من الأمثلة البارزة على جهوده، يُذكر دعمه لبرامج مكافحة الجوع في إفريقيا، حيث قدم الإمارات آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية لدول مثل الصومال وإثيوبيا خلال فترات الجفاف والحروب. كما أسس الشيخ زايد صندوقاً خاصاً للتنمية الإنسانية، الذي ساهم في تمويل مشاريع الزراعة المستدامة في دول العالم الثالث. وفقاً لتقارير منظمة الأمم المتحدة، ساهمت هذه الجهود في إنقاذ ملايين الأرواح من الجوع، خاصة خلال الأزمات الإقليمية في السبعينيات والثمانينيات.
الأثر الدائم والتراث الذي تركه
لم تقتصر جهود الشيخ زايد على حياته فحسب؛ بل استمرت بعد رحيله في عام 2004 من خلال مؤسسات تحمل اسمه، مثل مؤسسة زايد للأعمال الإنسانية وجائزة زايد للتنمية المستدامة. اليوم، بعد مرور أكثر من عقدين على وفاته، يستمر التراث في محاربة الجوع من خلال برامج حديثة تركز على الزراعة الحديثة والتكنولوجيا الزراعية، مثل مشاريع الإمارات في إفريقيا الفرعية.
في الواقع، يمكن القول إن 33 عاماً من عمل الشيخ زايد لم تقتصر على تقديم الطعام فحسب، بل بنت جسوراً من التعاون الدولي. هذا التراث ألهم جيلاً جديداً من القادة في الإمارات، الذين يواصلون دعم المبادرات العالمية لتحقيق الأهداف الإنمائية المستدامة، مثل أهداف الأمم المتحدة للقضاء على الجوع بحلول 2030.
خاتمة: درس الإنسانية الدائم
في عالم يواجه تحديات الجوع والفقر المزمن، يظل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مصدر إلهام. خلال 33 عاماً، حوّل رؤيته للإنسانية إلى واقع ملموس، محولاً دولة الإمارات إلى نموذج للعطاء. اليوم، مع تزايد أعداد الجياع في العالم، يتجدد الدعوة لاستلهام تراثه: أن تكون الإنسانية ليست شعاراً، بل عملاً يومياً. إن قصة زايد الإنسانية تذكرنا بأن محاربة الجوع ليست مسؤولية فرد أو دولة، بل هي واجب إنساني جماعي، وأن الجهود المستمرة هي الطريق الوحيد لتحقيق عالم أفضل.
تعليقات