ترامب يتجنب الصدام مع العشائر، بينما يفقد نتنياهو آخر خياراته في غزة.

وسط جروح غزة الدامية، يبرز مشهد جديد يكشف تعقيدات الصراع الداخلي الفلسطيني، حيث تحولت المواجهات من صدام مباشر مع إسرائيل إلى اقتتال بين حماس والعشائر المحلية. في هذا السياق، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” عن دعوتها لوقف الاقتتال الفوري، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعرب عن موقف يعكس براغماتية شديدة، مؤكداً أن تصرفات حماس لا تثير استياءه إذا أدت إلى إعادة ترتيب القوى دون تدخل أمريكي مباشر. هذا النهج يعكس رؤية واشنطن التي ترى في الفوضى الداخلية فرصة لتشكيل نظام حكم جديد يضعف حماس ويبرز العشائر كقوى قابلة للتحكم، مستغلة الصراعات الاجتماعية لتحقيق مصالحها السياسية دون دفع ثمن بشري.

ترامب يتجنب الصدام مع العشائر في غزة

في خطوة تعكس تفكير رجل الأعمال أكثر من الدبلوماسي، يرفض ترامب الانخراط في أي مواجهة مباشرة مع العشائر الفلسطينية، رغم تصاعد الاقتتالات في مناطق مثل بيت لاهيا وخانيونس. يرى الرئيس الأمريكي في هذه المناوشات وسيلة لإنهاء سطوة حماس، حيث يدعو إلى ترتيب جديد يعتمد على القوى المحلية، مما يسمح للولايات المتحدة بالتوسط بين التهدئة الظاهرية والتدخل الخفي. هذا الاستراتيجية تأتي في سياق خطة أمريكية شاملة تهدف إلى نزع السلاح عن المقاومة وتعزيز دور العشائر كحلفاء محتملين، مع ضمان ارتباطات أمنية مع إسرائيل. ومع ذلك، يبقى السؤال هل هذا النهج سيؤدي إلى سلام مستدام أم إلى تعزيز الفوضى؟

مع تزايد الاشتباكات، أصبحت العشائر الفلسطينية جزءاً أساسياً من الخريطة السياسية، حيث تتنافس مع حماس على السيطرة في مناطق مثل حي الصبرة، حيث سقط ضحايا في اشتباكات دامية. إسرائيل، من جهتها، تحولت من عدو مباشر إلى وصي ميداني، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي في حماية بعض هذه العشائر قرب الخطوط الحدودية، محاولاً بناء نظام حكم بديل يخفف من عبء الاحتلال المباشر. هذا التحول يعكس عجز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي خسر هيمنته بعد إعلان ترامب انتهاء الحرب، مما جعله يلجأ إلى استراتيجيات غير مباشرة.

نتنياهو يفقد قبضته على القطاع

بينما يحاول نتنياهو إعادة ترتيب الأوراق من خلال دعم العشائر، يواجه تحديات جذرية تنبع من الذاكرة التاريخية للشعب الفلسطيني، الذي يرى أي تعاون مع المحتل على أنه خيانة. هذا الوضع يضع إسرائيل أمام مخاطر كبيرة، حيث قد تحولت محاولاتها لإدارة الفوضى إلى مصيدة قد تعود عليها بالضرر. في هذا السياق، تحولت غزة إلى مختبر سياسي يجمع بين حسابات واشنطن وتل أبيب، مع رفض الشارع الفلسطيني لأي وصاية جديدة. خطة ترامب ذات البنود العشرين، التي تتضمن إدارة عشائرية مرتبطة أمنياً بإسرائيل، تواجه مقاومة شديدة، فالشعب الفلسطيني يصر على أن الشرعية تأتي من إرادته لا من اتفاقيات خارجية.

مع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: هل ستنجح هذه الحسابات في إنهاء الصراع؟ في الواقع، يعتمد الأمر على قدرة العشائر على التوفيق بين مصالحها المحلية والضغوط الخارجية، بينما حماس تظل قوة رئيسية لم تخسر قدرتها بالكامل. السلام الحقيقي لن يأتي من تسويات مفروضة، بل من إرادة شعب صمد أمام الحصار والقصف، ويرفض أن يُدار بحسابات خارجية. في النهاية، غزة ليست مجرد ساحة للصراعات، بل رمز للمقاومة التي تعيد تعريف قواعد اللعبة في المنطقة، مما يجعل أي هدنة محتملة هشة تنتظر الشرارة التالية.