قارة أفريقيا تشهد موجة من الاحتجاجات الشبابية التي يقودها جيل زد، حيث يعبر الشباب عن إحباطهم المتزايد من نقص الفرص الاقتصادية وتدهور المعيشة اليومية. هذه الحركات الشعبية تعكس تحديات عميقة تواجه الجيل الشاب، الذي يمثل أغلبية السكان بمتوسط عمر يصل إلى 19 عامًا، مما يجعله قوة دافعة للتغيير السياسي والاجتماعي.
احتجاجات جيل زد في أفريقيا
يعاني الشباب الأفريقي من وعود حكومية غير محققة في مجال الوظائف والتعليم، مما يدفع آلاف الأشخاص إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم. في كينيا، بدأت الاحتجاجات كردة فعل على مشروع قانون مالي كان من شأنه رفع الأسعار، وأسفرت عن سقوط ضحايا وانسحاب الرئيس ويليام روتو للقانون، لكن المظاهرات استمرت للمطالبة برحيله. أما في مدغشقر، فقد أدت الاضطرابات إلى إقالة الرئيس أندري راجويلينا بسبب فشله في توفير الخدمات الأساسية، مما أثار غضب السكان في العاصمة أنتاناناريفو. هذه الأحداث لم تقتصر على بلدين، بل امتدت إلى شمال أفريقيا، حيث شهد المغرب احتجاجات واسعة ضد الإنفاقات الضخمة على البنية التحتية استعدادًا لكأس الأمم الأفريقية وكأس العالم 2030، مع مطالب بتحسين التعليم والرعاية الصحية، وأدت إلى سقوط ثلاثة أشخاص. كذلك، في بوتسوانا، ساهم الشباب في إزاحة الحزب الحاكم الذي استمر في السلطة عقودًا، بينما في جنوب أفريقيا، تراجع دعم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بسبب عدم رضا الشباب عن الأداء الاقتصادي والاجتماعي.
من جانب آخر، يؤكد الاقتصاديون مثل ندانغو سيلا أن الشباب يسعون نحو مستقبل أفضل يتضمن الازدهار والفرص الوظيفية، لكن الحكومات غالبًا ما تفشل في الرد على هذه الطموحات، مما يؤدي إلى قمع الاحتجاجات بدلاً من تقديم حلول. يشير تقرير من البنك الأفريقي للتنمية إلى أن معظم الوظائف الجديدة تتركز في القطاع غير الرسمي، الذي يفتقر إلى الاستقرار والحماية، مما يعيق تحسين أوضاع الشباب ويزيد من شعورهم بالإحباط. هذا الواقع يجعل الاحتجاجات أكثر انتشارًا وتنظيمًا، خاصة مع دور وسائل التواصل الاجتماعي في توحيد الجهود ونشر المعلومات بسرعة كبيرة، مما يجعلها صعبة التوقع والسيطرة.
مظاهرات الشباب الأفريقي
مع تطور هذه الحركات، أصبحت مطالب الشباب أوسع نطاقًا، مشملة قضايا سياسية واجتماعية مثل تعزيز الحريات العامة وضمان الشفافية الحكومية. في ظل هذا السياق، يمثل الشباب قوة تأثيرية لا تُستهان بها، حيث يمكنهم تحويل الغضب الشخصي إلى تغييرات واسعة. على سبيل المثال، في كينيا، تحولت الاحتجاجات الأولية حول الاقتصاد إلى مطالب برئيس جديد، بينما في مدغشقر، أدى الضغط الشعبي إلى إعادة ترتيب السلطة. وفي المغرب، ركزت الاحتجاجات على إعادة توزيع الموارد لصالح الخدمات العامة، مما يعكس رغبة الجيل الشاب في بناء مجتمعات أكثر عدالة.
هذه الانتفاضات ليست مجرد تفاعلات عابرة، بل تشكل تحديًا استراتيجيًا للحكومات الأفريقية لإعادة صياغة سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. فالشباب، بكونهم الأغلبية، يمثلون المحرك الرئيسي للتغيير، وإذا لم تستجب الحكومات بإصلاحات حقيقية، فقد تتفاقم الأزمات وتهدد الاستقرار في القارة بأكملها. من خلال هذه الحركات، يسعى جيل زد إلى فرض رؤيته لمستقبل يعتمد على العدالة الاقتصادية والمساواة الاجتماعية، مما يدفع الأفريقيين نحو مرحلة جديدة من التطور. الشباب في أفريقيا ليسوا مجرد مشاركين في الأحداث، بل هم المبتكرون لقصة مستقبلية تُعاد كتابتها يوميًا من خلال صوت الشارع.
تعليقات