في السعودية، يُعد معرض الرياض الدولي للكتاب منصة بارزة للتقدم الثقافي والاجتماعي، حيث يجمع بين الانفتاح والتنظيم الدقيق للمحتوى. يعكس المعرض جهود الحكومة في تعزيز القراءة والحوار الثقافي، مع الالتزام بقيم المجتمع، بينما يواجه تحديات في موازنة الحرية التعبيرية مع الخطوط الحمراء المتعلقة بالدين، الجنس، والسياسة.
معرض الرياض الدولي للكتاب
شهدت النسخة الأخيرة من المعرض في الرياض نمواً ملحوظاً، حيث تجاوز عدد الزوار مليون وثلاثمئة ألف شخص خلال عشرة أيام، مع ارتفاع في المبيعات بنسبة 40%. استضافته جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن على مساحة تجاوزت 48 ألف متر مربع، ومشاركة أكثر من ألفي دار نشر من 25 دولة، يجعله حدثاً ثقافياً عالمياً يسعى لتحويل السعودية إلى مركز إقليمي للثقافة ضمن رؤية 2030. الدكتور عبد اللطيف الواصل، رئيس تنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة، وصف المعرض بأنه مهرجان شامل يضم الرواية، الفنون الأدائية، والتراث، مع تركيز على بناء جيل قارئ من خلال توسيع جناح الطفل. ومع ذلك، يظل التوازن بين الطموح الثقافي والرقابة واضحاً، حيث يُركز على دعم الإنتاج المحلي مثل برامج الترجمة لـ900 كتاب سنوياً من 19 لغة، إلى جانب مبادرة “حاضنة الكتّاب” للمؤلفين الجدد، لكن دون تجاوز الحدود الاجتماعية والدينية.
التطور الثقافي السعودي
رغم الزخم الثقافي، تبرز قضايا الرقابة كجزء أساسي من المشهد، كما أكد الدكتور الواصل، مشدداً على أن القوانين تهدف إلى حماية الذوق العام دون تقييد الإبداع. على سبيل المثال، واجهت الكاتبة اللبنانية ريما سعد منع روايتها “امرأتان” من التداول بسبب تعاملها مع الدين، الجنس، والسياسة، رغم مشاركتها السابقة في المعرض. سعد وصفت ذلك بأنه صدمة، معتبرة أن الرواية تعامل المواضيع بطريقة راقية وصوفية، لكن رفضت تعديلها للحفاظ على جوهرها، مؤكدة على رغبة القارئات السعوديات في محتوى يستكشف الذات والأنوثة. من جانبهم، أشار كتاب خليجيون مثل نادية الشهري من السعودية وعبد الله العنزي من الكويت إلى أن الخطوط الحمراء تشجع الإبداع، حيث تركز الكتابة على ما يفيد القارئ ويغذي خياله، مع تطور في حرية التعبير خلال السنوات الأخيرة. يعكس هذا المنظور تحول السعودية نحو سوق نشر متكامل، يجمع بين الورقي والرقمي، مع دخول مستثمرين أجانب وبرامج تتيح الوصول العالمي، مما يعزز الصناعة الثقافية محلياً ودولياً، مع الالتزام بالقيم الاجتماعية لضمان استدامتها في ظل التطور التقني. هذا الاندماج بين الإنتاج والرقابة يرسم صورة لمستقبل ثقافي متوازن، يسعى لنشر الفكر دون المساس بالمبادئ الأساسية.
تعليقات