الشارقة تحتفل بتراث الغوص وذكريات موسم القفال

الشارقة للتراث يستعيد ذكريات الغوص ويحتفي بموسم القفال

مقدمة: رحلة عبر الزمن نحو التراث البحري

في قلب الإمارات العربية المتحدة، حيث يلتقي التاريخ بالحداثة، يقوم الشارقة للتراث بدور رائد في حفظ الإرث الثقافي والتاريخي للإمارات. وفي أحدث فعالياته، ينظم الشارقة للتراث حدثاً ثقافياً مميزاً يستعيد ذكريات الغوص التقليدي، ويحتفي بموسم القفال، الذي كان ركيزة اقتصادية وحياتية لسكان الساحل خلال العصور الماضية. هذا الحدث ليس مجرد معرض أو مهرجان، بل هو رحلة زمنية تعيد إلى الأذهان أيام العناء والإصرار في البحر، حيث كان الغواصون يغامرون في أعماق المحيطات بحثاً عن اللآلئ النفيسة.

تاريخ الغوص وموسم القفال: إرث اقتصادي وثقافي

يعود تاريخ الغوص في الإمارات إلى عصور قديمة، حيث كان موسم القفال – الذي يمتد عادة من شهر أبريل إلى سبتمبر – يمثل محور الحياة الاقتصادية للمجتمعات الساحلية. في تلك الأيام، كانت قرى الغواصين في الشارقة وغيرها من الإمارات تشهد حراكاً كبيراً، حيث يخرج الرجال في قوارب تقليدية تُعرف بـ”الصنوبر” أو “السفنة” للغوص في أعماق البحر بحثاً عن الصدف التي تحتوي على اللآلئ. كان الغوص مهنة خطرة تتطلب شجاعة فائقة، إذ ينغمس الغواصون في المياه لساعات طويلة دون أدوات حديثة، مما يؤدي أحياناً إلى خسائر بشرية.

وفقاً لمؤرخين مثل الدكتور سلطان محمد العويس، كان موسم القفال يربط بين الاقتصاد والثقافة، حيث أدى إلى ازدهار تجارة اللآلئ التي كانت تصل إلى أسواق أوروبا وآسيا. كما أثرت هذه المهنة على التراث الشعبي، من خلال الأغاني التقليدية مثل “النوبة” و”الغوصيات” التي تروي قصص الغواصين البواسل. اليوم، يسعى الشارقة للتراث إلى استعادة هذه الذكريات من خلال فعاليات تعليمية وترفيهية تهدف إلى تعزيز الوعي الثقافي لدى الجيل الجديد.

تفاصيل الحدث: احتفال بالماضي في حاضر ينبض بالحياة

يبدأ الحدث الذي نظمه الشارقة للتراث في مركز الشارقة للتراث الثقافي، حيث تحولت الفضاءات إلى معارض حية تُعيد تمثيل حياة الغواصين. يتضمن البرنامج:

  • معارض فنية وتاريخية: عرض لأدوات الغوص التقليدية مثل الحبال، والأقنعة، والخوذات القديمة، بالإضافة إلى مجموعة نادرة من اللآلئ التي جمعت من البحر. كما يتم عرض صور فوتوغرافية وفيديوهات تاريخية توثق رحلات الغوص في الخليج العربي.

  • ورش عمل تفاعلية: يدعو المنظمون الزوار إلى المشاركة في ورش عمل تُعلمهم أساسيات الغوص التقليدي، مع مراعاة السلامة. كما هناك دروس حول صناعة الصدف واللآلئ، مما يسمح للأطفال والشباب بتجربة المهنة القديمة بشكل آمن وممتع.

  • عروض فنية وثقافية: يقام عروض مسرحية تروي قصص الغواصين، إلى جانب أداء موسيقي للأغاني التقليدية التي غنت في السفن. كما يشارك فنانون محليون في رسم لوحات تُبرز جمال البحر والتراث البحري.

أكد مدير الشارقة للتراث، السيد أحمد الشحيمي، في تصريح له: “هذا الحدث ليس تذكيراً بالماضي فحسب، بل هو دعوة للحفاظ على الإرث الثقافي في وجه التطورات الحديثة. من خلال الاحتفاء بموسم القفال، نريد أن نعلّم الأجيال الجديدة أهمية هذه المهنة في بناء هوية الإمارات.”

أهمية الحدث في حفظ التراث وتعزيز السياحة

يأتي هذا الاحتفال في وقت يشهد فيه العالم اهتماماً متزايداً بالتراث الإماراتي، خاصة مع تصنيف الغوص في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. يساهم الشارقة للتراث في تعزيز السياحة الثقافية، حيث يجذب الفعالية الزوار من داخل الإمارات ومن الخارج، مما يدعم الاقتصاد المحلي. كما يعزز هذه الفعاليات من الشعور بالانتماء الوطني، ويشجع على الحفاظ على البيئة البحرية التي كانت مصدراً للرزق.

في الختام، يمثل حدث “الشارقة للتراث يستعيد ذكريات الغوص ويحتفي بموسم القفال” خطوة إيجابية نحو المزيد من الاحتفاء بالتاريخ الإماراتي. إنه دعوة للجميع لزيارة الشارقة والاستمتاع بتلك الفعاليات، التي ستستمر حتى نهاية شهر سبتمبر، لنستمر في بناء جسر بين الماضي والحاضر، ونضمن أن يظل تراثنا حياً في أذهان الأجيال القادمة.