وداعًا صوت غزة.. صالح الجعفراوي يسقط ضحية رصاصة غادرة

صوت غزة يختنق برصاصة الاحتلال، حيث سقط الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي شهيداً في ساحة المعاناة، راوياً قصة الشعب الذي يرفض الاستسلام. في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر، الذي بدأ في السابع من أكتوبر 2023، كان الجعفراوي واحداً من أبرز الصحفيين الشباب الذين اختاروا الوقوف في قلب الأحداث، رغم الخطر الداهم. كان يوثق لحظات الدمار والصمود بكاميرا تترجم الواقع الإنساني، مما جعله رمزاً للصحافة الميدانية في غزة.

صالح الجعفراوي: شهيد الصحافة في غزة

في الفيديو الأخير الذي نشره الجعفراوي على حسابه بفيسبوك، والذي لم يتجاوز الـ60 ثانية، عبّر عن إيمانه الراسخ بصمود الشعب الفلسطيني. قال فيه مخاطباً الاحتلال الإسرائيلي والعالم بأسره: “بدكم مليون سنة لحتى تكسروا هذا الشعب، ومش هتكسروه. من تاني يوم نزلت الجرافات على الطرق، والناس مستنتش إعمار، ونزلت تعمر الطرق وتصلح البيوت لحالها، الله أكبر على هيك شعب، والله بنستاهل الحياة والله.” هذه الكلمات لم تكن مجرد تصريح عابر، بل كانت تعبيراً عن روح المقاومة التي يتمتع بها أهالي غزة، الذين يعيدون بناء حياتهم رغم الدمار المتواصل. كان الجعفراوي، البالغ من العمر حوالي الثلاثين عاماً، قد أصبح جزءاً لا يتجزأ من السردية الإعلامية للأحداث، حيث ساهم في نقل صور حية للتأثيرات الإنسانية، مما أثار وعي العالم تجاه الوضع في غزة.

تغطية ميدانية للصمود الفلسطيني

منذ بداية العدوان، لم يتردد صالح الجعفراوي في التواجد في أكثر المناطق خطراً، مستخدماً كاميراته لتوثيق القصف والدمار الذي لحق بالمدنيين. كان يركز في عمله على القصص الإنسانية، مثل قصص الأطفال الذين يفقدون منازلهم، والنساء اللاتي يقاتلن من أجل البقاء، مما جعل تغطيته أكثر تأثيراً ومصداقية. هذا النهج جعله يحظى بإعجاب واسع في الساحة الإعلامية، حيث أصبح مصدراً أساسياً للصحفيين العالميين الذين يعتمدون على رواياته لفهم الواقع اليومي في غزة. لقد جسد الجعفراوي دور الصحفي كشاهد على التاريخ، حيث ساهم في فضح انتهاكات الاحتلال وتعزيز القضية الفلسطينية عالمياً. ومع ذلك، فإن عمله لم يكن خالياً من المخاطر، فقد تعرض للتهديدات المتكررة، إلا أن هذا لم يثنه عن الاستمرار في مهمته.

في السياق الأوسع، يمثل مقتل صالح الجعفراوي خسارة كبيرة للصحافة الفلسطينية والإعلام المستقل عموماً. في زمن يتعرض فيه الصحفيون للهجمات المتعمدة، يبقى الجعفراوي رمزاً للإصرار على نقل الحقيقة، رغم كل العوائق. كان يؤمن بأن الكلمة والصورة هما أقوى أسلحة الشعب في مواجهة الظلم، وهذا ما جعله يواصل عمله حتى آخر لحظة. الآن، بعد رحيله، يتوجب على العالم أن يتذكر تضحياته ويستمع إلى صوت غزة الذي يستمر في الصدى من خلال أعمال الصحفيين الآخرين. لقد أصبحت قصته دروساً في الشجاعة والالتزام، حيث يستمر الكفاح من أجل الحرية والعدالة في غزة، مدعماً بذكرى أبطال مثل الجعفراوي. في نهاية المطاف، يبقى التراث الذي خلفه مصدر إلهام للأجيال القادمة، معلماً إياهم أن الصوت الحقيقي لا يمكن إسكاته إلا مؤقتاً.