في عالم الشعر، يبقى تحديًا كبيرًا أن نكتب عن الآخرين دون الوقوع في فخ الغرور الذاتي، حيث يفضح النرجسيون أنفسهم من خلال تضخيم الذات. لكن، في محاولة للوصول إلى صديقي الدكتور عبدالواحد سعود الزهراني، أجد نفسي أنطلق من نقطة تبدأ بتقدير مسيرته الفنية الاستثنائية. هو الذي أسس مرحلة شعرية فريدة، وضع فيها حجر الأساس لأجيال شابة، ساعدها على الخروج من دائرة التكرار والركاكة والاعتماد على الذات المبالغ فيها، نحو فضاء أوسع وأكثر جمالًا. رغم محاولات الكثر تقليده، إلا أن جهودهم كانت في النهاية عبارة عن شرف المحاولة، فهو يُكرم اليوم لأنه كرم الشعر بعلامة مميزة تشبه براءة اختراع، جعلت موروثنا الجنوبي يتحرر من قيود التقليدية التي كانت تكرر العبارات وتتنوع الألحان دون عمق حقيقي.
عبدالواحد سعود الزهراني: روادة الشعر الجديد
يقف عبدالواحد كرمز للتجديد في الشعر الجنوبي، حيث أجبر النصوص على الخضوع لعصف ذهني مع الذات، مما أنتج كتابة شعرية جديدة لم يتمكن سوى القلة من مجاراتها بشكل يستحق الذكر. في تلك المرحلة، كان يضع دعائمًا لبناء شعري يتجاوز الرتابة، حيث كان المعنى يُذبح سابقًا بسبب الشقر والتكرار. لقد مارس تأثيرًا عميقًا، فتح خلاله أبوابًا للارتقاء، لكن للأسف، لم يحافظ اللاحقون على الإرث الذي تركه. بعد أن شعر بأن الوافدين الجدد يهدفون فقط إلى إثبات أنفسهم دون جدارة حقيقية، قرر الترجل من ساحة العرضة، تاركًا المضمار للآخرين الذين لم يقدروا قيمة ما بناه. كنت هناك في ذلك التكريم، لأعيش معه لحظة تستحق، ليس لأكتب قصيدة اعتيادية سبق للآخرين أن كتبوها، بل لأمنحه صداقتي الكاملة ومشاعري الخالصة، فرأيت في عينيه فرحة جعلتني أتمنى أن تكون كلها لي، لأني أحب عبدالواحد بصدق.
إرث الفارس الشعري
يبقى إرث عبدالواحد كفارس شعري يمثل نقطة تحول تاريخية في الشعر الجنوبي، حيث أعاد تشكيل المنظور التقليدي ليصبح أكثر عمقًا وإبداعًا. في أيامه الأولى، كان الشعر الجنوبي أسيرًا للمدرسة التقليدية، حيث تكررت العبارات الشائعة وانحصر الجمال في تنويع الألحان أو الطوارق دون أن يتجاوز ذلك سطح اللغة. لكن عبدالواحد غير ذلك تمامًا؛ بفضل عاصفته الذهنية مع الذات، أنتج شعرًا يعكس الوعي الجديد، يدعو إلى الخروج من مأزق الركاكة والأنا المبالغة. هذا الإرث لم يكن مجرد كلمات مكتوبة، بل كان دعوة للأجيال اللاحقة لتجاوز التسول باسم الشعر نحو فضاء أشمل يجمع بين الجمال والعمق الفكري. في النهاية، كان تكريمه حدثًا لا يليق إلا بمن مثل بصمته الفريدة، فهو لم يكن يسعى للشهرة بل لإثراء التراث الثقافي. كنت حاضرًا لأعبر عن إعجابي، لا لأضيف قصيدة جديدة إلى المتداول، بل لأشارك في الاحتفاء بمسيرة رجل صنع فارقًا حقيقيًا. اليوم، يظل عبدالواحد مصدر إلهام، حيث أثبت أن الشعر الحقيقي يأتي من التفاعل الداخلي والالتزام بالأصالة، مما يجعله نموذجًا للشعراء الذين يسعون للارتقاء دون الوقوع في فخ الغرور. إن محاولات الآخرين للمجاولة لم تنجح في الارتفاع إلى مستواه، لكنها تذكرنا بأهمية الابتكار في كل عصر. في ذلك التكريم، شعرت بأن فرحة عينيه تعبر عن قيمة ما بناه، مما يدفعنا للتأمل في كيف يمكن لشخص واحد أن يغير مجرى التاريخ الشعري بكامله. هكذا، يبقى عبدالواحد رمزًا للتغيير، يحفز الأجيال على الحفاظ على الإرث بدلاً من التخلي عنه، مما يجعل مسيرته دروسًا حية في العمق الفني والصدق الإنساني.
تعليقات