مفاجأة في مدينة أمريكية: الجنازات تحولت إلى احتفالات شارعية مبهجة ومليئة بالحيوية!

تُعدد ربطة العنق على شكل فراشة، وتُرفع آلة الترومبون في الهواء، بينما يسد الشرطيان التقاطع بدراجات نارية في زاوية شارعي دوفين وتولوز. يتردد لحن موسيقي منصهر، مع اندماج الساكسفون والسوسافون في العزف، حيث تجوب فرقة شوارع نيو أورليانز والجمهور يتبعها في احتفالية عفوية. هذا المشهد يجسد جوهر تقليد “الخط الثاني”، الذي يحول الحزن إلى فرح، مستوحى من جذور غرب إفريقيا والبحر الكاريبي، ليصبح رمزًا حصريًا في مدينة نيو أورليانز. يشمل هذا التقليد الحشود الراقصة وأصوات الفرق النحاسية، التي تعزف في مواكب تكرم الجنازات والأعياد والتجمعات الاجتماعية، مما يجعلها حدثًا جمعيًا يمتد عبر الشوارع.

تقليد الخط الثاني في نيو أورليانز

في قلب هذه الاحتفالات، تقف فرق الآلات النحاسية كعنصر أساسي، حاملة روح المجتمع وتاريخه العريق. يقول الموسيقي روجر لويس، البالغ من العمر 83 عامًا وأحد أعضاء فرقة “Dirty Dozen”، إن الإيقاعات الإفريقية والرقصات التي تعود إلى عصر العبودية في ساحة الكونغو، قد صارت جزءًا من هوية سكان المدينة. تشكلت هذه الفرق في أواخر القرن التاسع عشر مع اندماج الموسيقى العسكرية والإيقاعات الإفريقية، لتتطور مع مرور الزمن إلى مواكب حية تشمل الراقصين والمحتفلين. اليوم، تتجاوز بعض هذه المواكب عدة شوارع، خاصة في المناسبات الكبرى، حيث تحيي الفرق أحداث مثل حفلات الزفاف والتجمعات المجتمعية، محافظة على التراث بينما تتأثر بالأنماط الحديثة مثل موسيقى الهيب هوب.

عبر العقود، أدت فرق مثل “Dirty Dozen” و”Rebirth Brass Band” دورًا كبيرًا في تطوير هذا الفن، حيث غيرت الأولى الإيقاع التقليدي ليصبح أكثر حيوية، مما أدى إلى جولات عالمية وجوائز مثل “غرامي”. أما الثانية، التي تأسست في الثمانينيات من قبل شباب من حي تريمي، فهي تواصل العزف الأسبوعي بتكلفة بسيطة، رابطة بين الموسيقى والمجتمع. هذه الفرق لم تقتصر على الرجال، فقد تغيرت الديناميكيات مع مرور السنين، كما في حالة فرقة “The Original Pinettes”، الأولى نسائية بالكامل، التي تقودها كريستي جورداين وتسيطر على خشبات المهرجانات مثل مهرجان الجاز.

المواكب الاحتفالية في الثقافة المحلية

أثرت الأحياء في نيو أورليانز بشكل مباشر على هذه الموسيقى، حيث يعكس كل حي طابعه الخاص؛ ففي أبتاون، يأخذ الإيقاع شكلًا أسرع، بينما يفضل سكان تريمي الألحان التقليدية. هذا التنوع جعل المواكب جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، كما يؤكد رون رونا، الذي يرى فيها ما يميز المدينة عالميًا. تنبعث الفرق من روابط المدارس والمجتمعات، حيث يرتبط العازفون بعضهم ببعض عبر سنوات، مكونين سلاسل توجيه للأجيال الشابة. هكذا، تستمر الدورة العائلية لهذا التراث، مما يضمن بقاءه رغم التغييرات. في صالات مثل “Kermit’s Tremé Mother-in-Law Lounge”، يمكن سماع هذه الألحان تعبر عن الفرح والحزن معًا، مؤكدة أن نيو أورليانز لن تفقد يومًا روحها الاحتفالية. هذا التقليد ليس مجرد موسيقى، بل تعبير عن الهوية الجماعية التي تجمع بين الماضي والحاضر في احتفال متواصل.