تهديدات بالقتل تجبر أستاذًا جامعيًا على إلغاء رحلته فجأة ومحاولة الفرار من أمريكا فورًا.

في عالم الأكاديميا حيث يتصدى الباحثون للتحديات الفكرية، يواجه الدكتور مارك بري، أستاذ في جامعة روتجرز، صراعًا مريرًا يتجاوز حدود المناظرات العلمية. يركز بري في بحثه على دراسة الحركات المعادية للفاشية والتطرف اليميني، محاولًا كشف جذور الإفراط في العنف والكراهية. ومع ذلك، أصبح هذا الالتزام مصدرًا لخطر جسيم، حيث تعرض لتهديدات بالقتل وهجمات إعلامية منظمة تهدف إلى تشويه سمعته. هذه الضغوط المتزايدة دفعته، هو وعائلته، إلى النظر في خيار مغادرة الولايات المتحدة بحثًا عن أمان أكبر.

تهديدات الأكاديميين ضد التطرف

يؤكد الدكتور بري أن دوره يقتصر على التدريس والبحث العلمي، دون أي انتماء مباشر لحركات مثل “أنتي فا”. ومع ذلك، تفاقمت الأزمة بعد اتهامه من قبل منظمة “تيرننج بوينت يو إس إيه” بالارتباط بهذه الحركة، خاصة في أعقاب اغتيال مؤسسها تشارلي كيرك. هذه الاتهامات لم تكن مجرد كلمات عابرة؛ بل أدت إلى حملات واسعة النطاق، بما في ذلك نشر عريضة تجمع التوقيعات للمطالبة بفصله من منصبه الأكاديمي. في ظل هذه الظروف، أصبحت حياة بري مهددة بشكل مباشر، حيث تم الكشف عن عنوان منزله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعرضه وأسرته لمخاطر جسيمة.

في محاولة للنجاة، سعى بري إلى ترتيب رحلة للهروب إلى إسبانيا، ربما ليجد فيها ملاذًا آمنًا يسمح له بمواصلة عمله بعيدًا عن الضغوط. ومع ذلك، كان من المفاجئ أن يتم إلغاء حجزه بشكل مفاجئ في مطار نيوآرك ليبرتي، مما أثار تساؤلات حول الدوافع وراء هذا الإجراء. هل كانت هناك تدخلات خارجية، أم أن الضغوط السياسية لعبت دورها؟ في كل الأحوال، يبرز هذا الحادث كدليل على مدى الخطر الذي يواجهه من يتحدى التطرف في عصرنا الحالي.

خطر التشويه الإعلامي

يشكل التشويه الإعلامي جانبًا خطيرًا من جوانب هذا الصراع، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أدواتًا للترويج للحملات المعادية. في حالة بري، لم يقتصر الأمر على التهديدات الشخصية، بل امتد إلى محاولات لتقويض مصداقيته العلمية. يرى الكثيرون أن هذه الحملات تعكس صراعًا أوسع بين دعاة الحرية الأكاديمية وحركات يمينية متطرفة تسعى لفرض رقابة على الرأي. وفقًا لخبراء، يمكن أن تؤدي مثل هذه الهجمات إلى إسكات صوت المفكرين، مما يهدد بنسيج المجتمع الديمقراطي نفسه. على سبيل المثال، قد يتردد الباحثون الآخرون في مناقشة مواضيع حساسة خوفًا من عواقب مشابهة.

بالإضافة إلى ذلك، يسلط بري الضوء على كيفية تحول الجدل الفكري إلى عنف مباشر، حيث أصبحت الاتهامات بـ”التطرف” أداة للانتقام. في دراساته، يحلل بري كيف نشأت الحركات المناهضة للفاشية كرد فعل للأزمات الاجتماعية، لكن الآن، يجد نفسه ضحية لنفس الديناميكيات التي يدرسها. هذا الوضع يثير أسئلة حول دور المؤسسات التعليمية في حماية أعضائها، وما إذا كانت جامعات مثل روتجرز قادرة على مواجهة الضغوط الخارجية. في الواقع، من الضروري أن تتخذ الجامعات إجراءات أكثر صرامة لحماية حرية التعبير دون التضحية بالأمان.

من ناحية أخرى، يمكن أن يكون تأثير هذه التهديدات على الأسرة كارثيًا، حيث يضطر بري إلى حماية عائلته من الخطر الذي يهددهم. هذا يشمل تغيير نمط الحياة اليومي، مثل تجنب المواقع العامة أو الاعتماد على إجراءات أمنية مشددة. في سياق أوسع، يعكس قصة بري صراعات مشابهة يواجهها العديد من النشطاء والأكاديميين حول العالم، حيث أصبحت الدفاع عن القيم الديمقراطية مصحوبة بمخاطر شخصية كبيرة. رغم ذلك، يظل بري ملتزمًا بمهمته، محرزًا أن البحث العلمي هو أداة قوية لمكافحة الجهل والكراهية. في نهاية المطاف، يذكرنا هذا القصة بأهمية دعم حرية التعبير وضمان أمان الذين يقفون في وجه التطرف، لأن المعركة ضد الفاشية ليست مجرد أكاديمية بل هي جزء من كفاحنا اليومي من أجل مجتمع أكثر عدالة.