لأول مرة في التاريخ، حقق علماء الفلك إنجازاً مدهشاً من خلال التقاط صورة واضحة لثقبين أسودين يدوران حول بعضهما داخل مجرة OJ287، التي تبعد حوالي 5 مليارات سنة ضوئية عن الأرض. هذا الاكتشاف يوفر دليلاً مباشراً على وجود ثقوب سوداء ثنائية، مما يعزز فهمنا للأحداث الكونية الشديدة، ويعتمد على تقنيات متطورة سمحت بمراقبة هذه الظاهرة الفريدة.
اكتشاف ثقبين أسودين
توفر هذه الصورة الرائدة نظرة ثمينة على قلب المجرة، حيث كانت الصور الفلكية السابقة تقتصر على ثقوب سوداء منفردة، مثل تلك في مركز مجرتنا درب اللبانة. الآن، بفضل فريق من جامعة توركو في فنلندا، تم التأكيد على وجود هذين الثقبين من خلال تقنية مبتكرة تُدعى التداخل طويل الأمد، التي جمعت بين هوائيات راديوية على سطح الأرض وقمر صناعي يقع في منتصف الطريق إلى القمر. هذا النظام أنشأ تلسكوباً افتراضياً بحجم يصل إلى 15 ضعف قطر الأرض، مما قدم دقة تصوير تفوق بـ100 ألف مرة التقنيات السابقة.
نظام ثنائي من الثقوب السوداء
يُعد هذا الاكتشاف خطوة كبيرة في دراسة الكون، حيث أظهرت الدراسة المنشورة في مجلة Astrophysical Journal أن الثقب الأكبر يمتلك كتلة تقدر بـ18.35 مليار مرة كتلة الشمس، في حين يبلغ حجم الثقب الأصغر حوالي 150 مليون كتلة شمسية. الثقب الأصغر يدور بسرعة هائلة حول الثقب الأكبر، مما يؤدي إلى اختراق قرص الغاز والغبار المحيط به، ويسحب في كل دورة حوالي 16 كتلة شمسية من المواد. هذه الحركة الديناميكية تولد نفاثات جزيئية ملتوية، تُشبه تدفق المياه من خرطوم دوّار، وتُعرف بـ”الذيل المتمايل”. مع مرور السنوات، من المتوقع أن تتغير اتجاهات هذه النفاثات بسبب تغيرات السرعة والمسار للثقب الأصغر.
يشكل OJ287 كوازاراً شديد اللمعان، حيث يحتوي على الثقب الأكبر محاطاً بغاز وغبار يولدان إشعاعاً هائلاً نتيجة الحرارة الناتجة عن سقوطهما. منذ الثمانينات، لاحظ العلماء تذبذباً منتظماً في ضوء الكوازار كل 12 عاماً، مما أثار التكهنات بحدوث تفاعل ثنائي. على الرغم من صعوبة فصل الإشارات بسبب المسافة الشاسعة، إلا أن استخدام قمر مثل RadioAstron سمح بتحقيق صورة راديوية واضحة. هذا النظام الثنائي يفتح أبواباً جديدة لفهم كيفية تفاعل الثقوب السوداء وتأثيرها على الكون، حيث يُعتقد أن مثل هذه الأحداث تلعب دوراً في تطور المجرات وتشكيل المادة الكونية. بالإضافة إلى ذلك، يتيح هذا الاكتشاف لعلماء الفلك مراقبة التغيرات المستقبلية، مما قد يساعد في توقع حدوث اندماج محتمل بين الثقبين، وهو حدث يمكن أن يصدر موجات الجاذبية القوية والتي تكشف المزيد عن طبيعة الكون. بشكل عام، يمثل هذا التقدم العلمي نقلة نوعية في مجال الفلك، حيث يجمع بين النظرية والملاحظة المباشرة ليوضح تعقيد الأحداث في أعماق الفضاء.
تعليقات