في تقرير حديث، كشفت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية عن تفاصيل مثيرة حول أدوار استخباراتية خلال حرب أكتوبر 1973، مبرزة كيف أدى الغموض المحيط بأحد الأشخاص الرئيسيين إلى نتائج درامية. كان أشرف مروان، المقرب من قادة مصر، محور الجدل، حيث يُزعم أنه لم يكن جاسوسًا يعمل لصالح إسرائيل كما كان يُعتقد، بل كان جزءًا من استراتيجية مصرية محنكة للخداع.
أشرف مروان: الخداع في حرب أكتوبر
تعيد الصحيفة العبرية سرد الأحداث، موضحة أن أشرف مروان، الذي تزوج من ابنة الرئيس جمال عبد الناصر وكان قريبًا من الرئيس أنور السادات، لعب دورًا رئيسيًا في خطة خداع مصرية راقية. وفق التقرير، سعى الموساد الإسرائيلي جاهدًا لإخفاء فشله، حيث اعتبر مروان عميلًا قيمًا، لكنه في الواقع كان طعمًا ساعد في تضليل الجهاز الاستخباراتي. خلال الأسابيع السابقة للحرب، قدم مروان معلومات مضللة عن تأجيل الهجوم، مما أدى إلى إهمال الإنذارات وفشل إسرائيل في الاستعداد بشكل كافٍ. هذا الخداع ساهم في مفاجأة إسرائيل، حيث تم تجاهل معلومات أخرى محتملة، كما أكد مسؤولون إسرائيليون سابقون. على سبيل المثال، ذكر أحد الضباط الاستخباراتيين البارزين أن مروان جعل إسرائيل “تنام في تخدير موضعي”، مما أدى إلى غفلة كبيرة عن التهديدات الحقيقية.
بالإضافة إلى ذلك، أبرز التقرير كيف سعى رؤساء الموساد، مثل زفي زامير، إلى الحفاظ على سمعة الجهاز من خلال لجان تحقيق داخلية تجاهلت الشكوك حول مروان. رغم أن بعض المسؤولين مثل شلومو جازيت شككوا في مصداقيته، إلا أن الجهود الرسمية ركزت على تصوير الموساد كغير فاشل. هذا التمويه استمر عبر السنين، مدعومًا بكتب وروايات رسمية تُبرز دور مروان كعميل ناجح، على الرغم من الأدلة المتناقضة. في السنوات الأخيرة، ظهرت شهادات من ضباط سابقين، مثل العقيد بيساح مالوفني وآفي ليفينا، يؤكدون أن مروان كان مكلفًا من الجانب المصري لتوجيه الخداع، مما ساعد في تحقيق المفاجأة الحاسمة في الحرب. كما كشف ألبرت سوداي عن مخاوفه المبكرة، حيث حذر من أن مروان قد يكون عميلًا مزدوجًا، لكنه تم تجاهله.
وتستمر القصة في إثارة الجدل، حيث يُظهر التحقيق كيف ساهمت الإدارة الخاطئة للمعلومات في فشل استخباري مؤلم، خاصة مع اقتراب الحرب. لم يُخضع مروان لاختبارات كشف الكذب بسبب مقاومة من المسؤولين، واستمر على مدار عقود في تقديم معلومات غامضة. هذا الوضع يعكس عيوبًا في آليات الاستخبارات، حيث تم وضع الثقة المطلقة في مصدر واحد دون النظر إلى الجوانب الأخرى. النتيجة كانت فجوة كبيرة في الاستعداد، مما أدى إلى خسائر كبيرة، ويُذكر هذا الفشل كدرس في تاريخ الاستخبارات العالمية.
العميل الكاذب: دور الخداع المصري
في الجزء الثاني من التحقيق، تُؤكد الصحيفة أن مروان لم يكن سوى جزء من خطة مصرية متكاملة للخداع، حيث ساهم في تضليل إسرائيل عن موعد الهجوم. هذا الدور جعله محوريًا في تحقيق المفاجأة، كما أشار العديد من الخبراء. على سبيل المثال، سعى السادات من خلال مروان إلى خلق انطباع خاطئ بتأجيل الحرب، مما أدى إلى عدم تجنيد القوات الإسرائيلية في الوقت المناسب. وفق الروايات، كانت هناك محاولات للتحقيق في الأمر، لكنها واجهت عوائق من الموساد، الذي أصدر تقارير تُنفي الشكوك. هذا الخداع لم يكن فرديًا، بل جزء من استراتيجية أوسع، حيث استخدمت مصر طرقًا معقدة لإلهاء الخصم. النتيجة كانت صدمة لإسرائيل، وأدت إلى إعادة تقييم كامل لأساليب الاستخبارات. في النهاية، يبرز هذا التحقيق كيف أن الثقة المفرطة في مصادر معلومات واحدة يمكن أن تكون مكلفة، ويظل درسًا حيًا في عالم السياسة والحروب.
مع مرور السنين، ظهرت مزيد من التفاصيل عن كيفية إدارة مروان كمصدر، حيث تم منحة شروطًا خاصة مثل عدم تغيير المشغل، مما يعزز نظرية أنه كان يتحكم في السيطرة إلى حد كبير. هذا الوضع أدى إلى تجاهل تحذيرات أخرى، وفي ضوء أحداث لاحقة مثل هجوم غزة، يُعاد النظر في هذه الأخطاء. التقرير ينتهي بشكل يؤكد على أهمية الشفافية في الاستخبارات، حيث أن الخداع الناجح يمكن أن يغير مجرى التاريخ. باختصار، يظل قصة أشرف مروان نموذجًا لكيفية استخدام الخداع في الحروب الحديثة، ويستمر في إثارة الجدل بين الخبراء.
تعليقات