اليوم، يودع العالم الإسلامي إرثًا عظيمًا مع رحيل الدكتور أحمد عمر هاشم، الذي بلغ من العمر 84 عامًا بعد معاناة مع المرض. كان هذا العالم الجليل رمزًا للعلم والدعوة، حيث ترك أثرًا عميقًا في مجالات الدراسات الدينية والتربوية، مما يجعله مصدر إلهام لأجيال عديدة. منذ طفولته المبكرة في قرية بني عامر بمحافظة الشرقية، كان يُعرف ببلاغته وتعلقه بالقرآن، محافظًا على تراث عائلته الهاشمية التي اهتمت بالعلم والأخلاق.
خطيب منذ الطفولة: محطات خالدة في رحلة الدكتور أحمد عمر هاشم
في بداية رحلته، وُلد الدكتور هاشم في 6 فبراير 1941، وترعرع في أسرة تربى فيها على قيم الإيمان والمعرفة. حافظ على القرآن الكريم بحفظه الكامل في سن الـ10، ثم ألقى أول خطبة له وهو في الحادية عشرة، مما كشف عن مواهبه المبكرة في الوعظ والإلقاء. التحق بجامعة الأزهر وتخرج من كلية أصول الدين عام 1961، ليبدأ مسيرة أكاديمية مشرفة تطورت حتى وصل إلى منصب عميد الكلية نفسها، ثم رئيس جامعة الأزهر عام 1995. لم يقتصر دوره على التعليم، بل امتد إلى المشاركة في هيئة كبار العلماء والتمثيل في مؤتمرات دولية في الولايات المتحدة وفرنسا، حيث كانت آراؤه دائمًا محل إعجاب بسبب عمقها وتوازنها.
بالإضافة إلى ذلك، حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1992، وشغل منصب رئيس لجنة البرامج الدينية في التلفزيون المصري. كان رصيده العلمي غنيًا، حيث أنتج مؤلفات عديدة تركز على الحديث الشريف والسنة النبوية، مثل موسوعة حديثية معاصرة رتب فيها الأحاديث بشكل فقهي موضوعي، مما جعلها مرجعًا هامًا للباحثين. من الروايات الشهيرة عنه، أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام أكثر من مرة، بدءًا من السنة الرابعة في الجامعة، حين رآه يطوف بالكعبة، وهذا الأمر شكل نقطة تحول في حياته الروحية، مما دفعه لزيارة مكة في أول حجة له.
داعية مخلص: إرث الدكتور أحمد عمر هاشم في العلم والدعوة
كان الدكتور هاشم داعية مخلصًا، يجسد التواضع والإخلاص في كل خطوة، حيث غطت مسيرته أكثر من سبعة عقود من العطاء. لم يكن مجرد عالماً، بل كان صوتاً للرحمة والخير، يدعو إلى فهم الإسلام بطريقة معاصرة تجمع بين التراث والواقع. من إنجازاته البارزة، إعادة تنظيم البرامج الدينية لتكون أكثر تأثيرًا في المجتمع، بالإضافة إلى دوره في تربية جيل من الطلاب الذين يحملون رسالته إلى العالم. على سبيل المثال، موسوعته الحديثية لم تكن مجرد جمع للأحاديث، بل كانت جهدًا لبناء جسور بين العلم الإسلامي القديم ومتطلبات العصر الحديث. هذا الإرث لن ينتهي مع رحيله، فهو يستمر في إضاءة عقول الأجيال اللاحقة من خلال كتبه ومحاضراته التي تناولت قضايا الفكر الإسلامي بأسلوب يجمع بين الدقة والإلهام.
في ختام حياته، ترك الدكتور أحمد عمر هاشم شعاعًا من العلم والأمل، مضيفًا إلى تراث الأمة الإسلامية قصة نجاح تبدأ من الطفولة وتنتهي بإرث خالد. كان يؤمن بأن العلم رسالة تغير المجتمعات، وأن الكلمة الطيبة تؤثر في القلوب. رحمة الله عليه، وأسكنه جنات الخُلد، فهو قدوة لكل من يسعى للعطاء في سبيل الدين والإنسانية.
تعليقات