متحف زايد الوطني: الروح الخالدة لإرث المؤسس

متحف زايد الوطني: تجسيد حي لإرث “المؤسس”

في قلب أبوظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، يقف متحف زايد الوطني كرمز شامخ للتراث الغني والتاريخ الحافل للدولة. هذا المتحف، الذي يحمل اسم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – المعروف بـ”المؤسس” – ليس مجرد معلم أثري، بل هو تجسيد حي وديناميكي لإرث الرجل الذي شكل مستقبل الإمارات من خلال قيادته الحكيمة، وجهوده في التنمية، وتعلقه العميق بجذور الوطن. في هذه المقالة، نستكشف كيف يمثل متحف زايد الوطني جسراً بين الماضي والحاضر، محافظاً على إرث “المؤسس” وملهماً للأجيال الجديدة.

تاريخ المتحف وأهميته

افتتح متحف زايد الوطني رسمياً في عام 2019، كجزء من مشروع سعديات آيلاند الثقافي في أبوظبي، وهو جزء من جهود الإمارات لتعزيز السياحة الثقافية والتعليمية. يمتد المتحف على مساحة واسعة تتجاوز 11,000 متر مربع، ويضم مجموعة متنوعة من المعارض التي تروي قصة الإمارات من العصور القديمة حتى العصر الحديث. ومع ذلك، فإن جوهره الحقيقي يكمن في كونه تكريماً للشيخ زايد، الذي حكم الإمارات منذ تأسيسها في عام 1971 حتى وفاته في عام 2004.

الشيخ زايد لقب بـ”المؤسس” لأنه لم يكن مجرد قائد سياسي، بل رجل رؤية أدرك أهمية دمج التراث الثقافي مع التقدم الحديث. إرثه يشمل التنمية الاقتصادية الهائلة، بناء الدولة الحديثة، والحفاظ على التراث البدوي والإسلامي. متحف زايد الوطني يعكس هذا الإرث من خلال تصميمه المعماري الفريد ومحتوياته الغنية، مما يجعله “تجسيداً حياً” لتلك الرؤية.

التصميم المعماري: مزيج بين التراث والحداثة

يُعتبر تصميم متحف زايد الوطني، الذي صممه المعماري الفاضل “السعدي”، شاهداً على الإبداع الذي يجسد شخصية “المؤسس”. يتكون المتحف من خمسة أبراج تشبه أجنحة النسور، وهو رمز يعود إلى شعار الإمارات وإلى الشيخ زايد نفسه، الذي كان يُعرف بحبه للصقور والطيور الجارحة. هذا التصميم ليس مجرد جماليات؛ إنه يعبر عن قوة الإمارات وقدرتها على التحليق عالياً نحو المستقبل، مع الحفاظ على جذورها التاريخية.

داخل المتحف، يتجلى إرث الشيخ زايد من خلال المساحات الواسعة والتكنولوجيا الحديثة التي تتكامل مع العناصر التقليدية. على سبيل المثال، تستخدم المعارض تقنيات الواقع الافتراضي لإعادة تمثيل الحياة في الإمارات القديمة، مثل تجارة اللؤلؤ وأسلوب الحياة البدوي، وهو ما يعكس اهتمام “المؤسس” بالتراث الشعبي. هذا الدمج بين القديم والجديد يبرز الرؤية الشمولية للشيخ زايد، الذي سعى دائماً إلى بناء دولة مترابطة تجمع بين الهوية الثقافية والتقدم العلمي.

المعارض والمحتويات: رحلة عبر الزمن

يحتوي متحف زايد الوطني على مجموعة واسعة من المعارض التي تغطي جوانب متعددة من تاريخ الإمارات، مع التركيز الرئيسي على دور الشيخ زايد. من بين أبرز المعارض:

  • معرض “رحلة الإمارات”: يستعرض تطور الإمارات من حضارات ما قبل التاريخ، مثل حضارة أم النات، إلى الاتحاد في عام 1971. هذا المعرض يبرز جهود الشيخ زايد في توحيد الإمارات السبع، وكيف أصبحت الدولة نموذجاً للاستدامة والتطور.

  • معرض “إرث المؤسس”: هذا القسم يركز على حياة الشيخ زايد شخصياً، من خلال صور، وثائق، وقطع أثرية تعكس إنجازاته في مجالات التعليم، الرعاية الصحية، والبيئة. على سبيل المثال، يعرض المتحف مشاريع مثل زراعة الغابات في الإمارات، التي كانت جزءاً من رؤيته للحفاظ على البيئة في منطقة صحراوية.

  • القطع الأثرية الثمينة: تشمل المتحف مجموعات نادرة مثل أدوات الصيد القديمة، والأواني الفخارية، والفنون الإسلامية، التي تجسد التنوع الثقافي للإمارات. هذه القطع ليست مجرد آثار؛ إنها تروي قصصاً عن الكفاح والإصرار، مما يعكس شخصية الشيخ زايد كقائد متواضع ومتجذر في تراثه.

من خلال هذه المعارض، يصبح المتحف تعليمياً وتفاعلياً، حيث يشجع الزوار – خاصة الشباب – على استكشاف إرث “المؤسس” وفهم كيف شكل هذا الإرث الدولة الحالية. هذا النهج يعزز من قيم الشيخ زايد في الوحدة، الإنسانية، والابتكار.

دور المتحف في الحفاظ على الإرث وصقل المستقبل

لا يكتفي متحف زايد الوطني بدور الحفظ التقليدي؛ إنه يعمل كمنصة للحوار الثقافي والتعليمي. من خلال البرامج التعليمية، الورش، والأنشطة التفاعلية، يسعى المتحف إلى تربية الأجيال الشابة على قيم “المؤسس”، مثل الالتزام بالتراث مع النظر إلى الأمام. في عصر العولمة، يوفر المتحف فرصة للزوار من مختلف الجنسيات لفهم كيف أصبحت الإمارات رمزاً للتقدم بفضل رؤية واحدة.

في الختام، متحف زايد الوطني ليس مجرد مبنى يحتوي على آثار؛ إنه تجسيد حي لإرث “المؤسس”، الذي يستمر في إلهام الإمارات نحو المستقبل. من خلال تصميمه الرائع، معارضه الغنية، ودوره التعليمي، يحافظ المتحف على روح الشيخ زايد الحية، مضمناً أن إرثه سيظل جزءاً أساسياً من هوية الإمارات. في عالم يتغير بسرعة، يذكرنا هذا المتحف بأهمية النظر إلى الماضي لتشكيل غد أفضل.