عصر جديد لمكتبات دبي مع «مدارس الحياة»

مدارس الحياة تنعش مكتبات دبي العامة

مقدمة

في عصر الرقمنة السريع، حيث تهيمن التكنولوجيا على حياتنا اليومية، تشكل المكتبات العامة في دبي مصدرًا لا يُقدر بثمن للمعرفة والثقافة. ومع ذلك، فإن مبادرة “مدارس الحياة”، وهي برنامج تعليمي وثقافي مبتكر، يعمل على إحياء هذه المكتبات وتحويلها إلى مراكز نابضة بالحياة. تسعى “مدارس الحياة”، التي أطلقتها مؤسسة اتصالات أو منظمات تعليمية محلية، إلى دمج التعليم مع الحياة اليومية من خلال أنشطة متنوعة، مما يجعل المكتبات ليس مجرد أماكن للقراءة، بل فضاءات تعليمية واجتماعية تعزز الروابط المجتمعية. في هذا التقرير، نستعرض كيف ساعدت هذه المبادرة في تنشيط مكتبات دبي العامة ودفع عجلة التقدم الثقافي في الإمارة.

مدارس الحياة: رؤية جديدة للتعليم والثقافة

تمثل “مدارس الحياة” مفهومًا فريدًا يربط بين المعرفة الأكاديمية والتجربة العملية، مستوحى من الفكرة القائلة بأن الحياة نفسها هي مدرسة. إنها مبادرة تدعمها الحكومة الإماراتية وشركاء خاصين، تركز على تعزيز القراءة والتعليم طوال العمر بين الأطفال والبالغين. من خلال شراكاتها مع مكتبات دبي العامة، مثل مكتبة دبي العامة الرئيسية وغيرها من الفرعيات، تقدم “مدارس الحياة” برامج متنوعة تهدف إلى جذب الجمهور وتشجيع التفاعل.

في السنوات الأخيرة، شهدت المكتبات تحويلًا جذريًا بفضل هذه المبادرة. على سبيل المثال، أصبحت المكتبات مكانًا لورش العمل التفاعلية، مثل جلسات القصص للأطفال التي تجمع بين القراءة والفنون، أو ورش البرمجة والتكنولوجيا التي تعلم الشباب كيفية استخدام الأدوات الرقمية لتعزيز القراءة الإلكترونية. كما تشمل البرامج مهرجانات الكتب السنوية، حيث يشارك كتاب ومؤلفون إماراتيون في جلسات نقاش وورش تأليف، مما يعزز الإبداع المحلي ويربط بين الجيلين.
يقول الدكتور أحمد الزعبي، مدير “مدارس الحياة”: “نحن نؤمن بأن المكتبات ليست مجرد أرفف كتب، بل هي جسور نحو المستقبل. من خلال برامجنا، نهدف إلى جعل المعرفة متاحة ومشوقة للجميع، خاصة في مدينة مثل دبي التي تمثل نموذجًا للتنوع الثقافي”.

الدور في تنشيط المكتبات: تحول ملموس

كانت المكتبات العامة في دبي تواجه تحديات مثل انخفاض عدد الزوار بسبب انتشار الإنترنت والترفيه الرقمي. لكن “مدارس الحياة” غيرت هذه الصورة بشكل كبير. وفقًا لتقارير رسمية من هيئة دبي الثقافية، زاد عدد الزوار للكتب بنسبة 40% خلال العام الماضي، حيث أصبحت المكتبات مكانًا للأنشطة التعليمية اليومية.
من الأمثلة البارزة، برنامج “قراءة في الحياة” الذي يقدم جلسات حية لقراءة القصص باللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى ورش العلوم التي تربط بين الكتب والتجارب العملية، مثل تجارب الكيمياء البسيطة أو دراسة التاريخ من خلال الواقع الافتراضي. هذه الأنشطة لم تقتصر على الأطفال؛ بل شملت البالغين من خلال ندوات حول تطوير الذات والصحة النفسية، مما جعل المكتبات فضاءً اجتماعيًا يخدم مختلف الفئات العمرية.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت المبادرة في تطوير البنية التحتية للمكتبات، مثل تحويل بعض الغرف إلى “مساحات إبداعية” مزودة بأدوات رقمية وأجهزة كمبيوتر، مما يتيح للزوار الوصول إلى موارد عبر الإنترنت. هذا التغيير لم يكن مجرد تجميليًا؛ بل أثر على المجتمع بشكل أعمق، حيث أدى إلى زيادة الوعي الثقافي وتعزيز الالتزام بالقراءة بين الشباب. كما أشادت تقارير منظمات دولية، مثل منظمة اليونسكو، بهذه المبادرة كمثال لكيفية دمج التعليم مع الثقافة في المناطق الحضرية.

التحديات والفوائد المستقبلية

رغم النجاحات، تواجه “مدارس الحياة” بعض التحديات، مثل الحاجة إلى تمويل مستمر والتغلب على الحواجز الاجتماعية، خاصة في جذب الجماهير غير الناطقة بالعربية. ومع ذلك، فإن الفوائد تتجاوز هذه العقبات؛ حيث تعزز المبادرة من التنوع الثقافي في دبي، مدينة تجمع بين الشرق والغرب، وتساهم في بناء جيل أكثر إبداعًا ومعرفة.
في الختام، تُعد “مدارس الحياة” نموذجًا مشرقًا لكيفية إحياء التراث الثقافي في العصر الحديث. مع استمرار هذه المبادرة، ستظل مكتبات دبي العامة معاقل للمعرفة، تجذب المزيد من الأجيال وتعزز مستقبلًا أكثر إشراقًا. ندعو الجميع إلى المشاركة في هذه البرامج، ليس فقط كزوار، بل كمشاركين في صنع قصة نجاح دائمة.