راشد بن سعيد.. قائد حوّل الرمال إلى ذهب
مقدمة: الرجل الذي رسم خارطة الازدهار
في صميم الصحراء العربية، حيث كانت الرمال تشكل تحدياً لا يتجاوزه، برز قائد استثنائي حوّل أحلاماً بعيدة المنال إلى واقع ملموس. إنه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، الرجل الذي يُلقب بـ”قائد حوّل الرمال إلى ذهب”. في عصر حكمه، تحولت دبي من قرية صيد بسيطة على شاطئ الخليج إلى عاصمة اقتصادية عالمية تجذب الملايين. كان الشيخ راشد رمزاً للرؤية النبيلة والإصرار، فقد أدرك أن الثروة الحقيقية تكمن في استغلال الموارد المحلية وجذب الاستثمارات العالمية. لهذا السبب، يُعتبر أحد أبرز الشخصيات في تاريخ الإمارات العربية المتحدة، ودوره الأساسي في بناء “دبي الحديثة” يظل مصدر إلهام إلى يومنا هذا.
نشأة وتعليم: جذور العقيدة القيادية
ولد الشيخ راشد بن سعيد في عام 1912 في دبي، وكان ابناً للشيخ سعيد بن مكتوم، حاكم دبي آنذاك. نشأ في بيئة تقليدية عربية، حيث كان التعليم يعتمد على التراث الإسلامي والتجارة البحرية. على الرغم من عدم حصوله على تعليم رسمي حديث، إلا أنه كان يمتلك فطنة استثنائية في فهم السياسة والاقتصاد. في شبابه، سافر إلى الهند وبريطانيا، حيث تعرض للثقافات الغربية وأساليب التنمية الحديثة. هذه التجارب شكلت رؤيته، إذ أدرك أن دبي، بموقعها الاستراتيجي على مضيق هرمز، يمكن أن تكون جسراً تجارياً بين الشرق والغرب.
في عام 1958، تولى الشيخ راشد مقاليد الحكم في دبي، خلفاً لوالده. كان ذلك العهد نقطة تحول في تاريخ الإمارة، حيث واجه تحديات كبرى مثل نقص الموارد الطبيعية وتهديدات الاستعمار البريطاني. لكنه لم ييأس؛ بل بدأ في وضع خطط طموحة للتنمية، مستفيداً من اكتشاف النفط في الستينيات.
الرؤية الاقتصادية: من الرمال إلى الذهب الحقيقي
يُعرف الشيخ راشد بأنه “مهندس الاقتصاد الدبي”، فقد حوّل الرمال غير الخصبة إلى معدن نفيس من خلال استراتيجيات مبتكرة. كان أبرز إنجازاته تطوير البنية التحتية، التي شكلت الأساس للنهضة الاقتصادية. على سبيل المثال:
-
ميناء راشد: افتُتح في عام 1972، وكان أول ميناء حديث في الإمارات. هذا المشروع لم يُعد تاجراً أكبر، بل جذب الشركات الدولية، مما رفع من مكانة دبي كمركز تجاري عالمي.
-
ميناء جبل علي: يُعتبر من أكبر الموانئ الاصطناعية في العالم، وقد بدأ بناؤه في عام 1979. هذا المشروع لم يكن مجرد ميناء، بل منطقة حرة جذبت استثمارات بلغت ملايين الدولارات، حيث أصبحت دبي محطة رئيسية للتجارة الدولية.
-
التنويع الاقتصادي: على الرغم من أهمية النفط، إلا أن الشيخ راشد أدرك خطورة الاعتماد عليه وحده. لذا، ركز على قطاعات أخرى مثل السياحة والعقارات. كان من بين مشاريعه الرئيسية بناء فندق بورج الخليفة (الذي أصبح فيما بعد برج خليفة)، وبدء تطوير مناطق سياحية مثل جميرا.
كما أسس الشيخ راشد عدة مؤسسات تعليمية وصحية، مثل جامعة الإمارات، ليضمن تنمية الموارد البشرية. كان يؤمن بأن الشعب هو الثروة الحقيقية، لذا ركز على تدريب الشباب وتشجيع الابتكار. في كلمة شهيرة له، قال: “الرمال ليس لها قيمة إلا إذا حوّلناها إلى مشاريع تنتج الذهب”.
التحديات والإرث: قائد في أوقات صعبة
لم يكن طريق الشيخ راشد خالياً من العقبات. في الستينيات، كانت الإمارات جزءاً من الاتحاد البريطاني، ومع استقلالها في عام 1971، واجهت تحديات اقتصادية وأمنية. لكنه، بفضل دبلوماسيته الذكية، ساهم في تأسيس الدولة الاتحادية للإمارات العربية المتحدة، حيث كان زعيماً بارزاً بين الحكام. كما تعامل مع تقلبات أسعار النفط في السبعينيات بإعادة هيكلة الاقتصاد نحو التنويع.
توفي الشيخ راشد في عام 1990، تاركاً إرثاً هائلاً. ابنه، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي الحالي، استمر في تنفيذ رؤيته من خلال مشاريع مثل دبي المالية العالمية وإكسبو 2020. اليوم، يُقاس نجاح دبي بأرقام: سكان يتجاوزون 3.3 مليون نسمة، وناتج محلي إجمالي يفوق 100 مليار دولار، معظمها من غير النفط.
خاتمة: الدرس الذي يبقى
يظل الشيخ راشد بن سعيد رمزاً للقيادة الحكيمة التي تحول التحديات إلى فرص. لقد حوّل الرمال إلى ذهب بفكره الإبداعي وإيمانه بأن التنمية تتطلب رؤية وشراكة. في عالم يسعى للاستدامة، يظل إرثه دليلاً على أن الإرادة القوية يمكن أن تغير وجه الأرض. دبي اليوم هي شاهد حي على هذا التحول، وستظل قصة الشيخ راشد مصدر إلهام للأجيال القادمة.
(تم كتابة هذا المقال بناءً على سيرة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ويعتمد على مصادر تاريخية موثوقة مثل كتب تاريخ الإمارات ومواقع رسمية.)
تعليقات