قصة عم ناصر.. 60 عاماً من الإخلاص في مهنة رفع الملابس بمحافظة الشرقية

عم ناصر، البالغ من العمر 68 عامًا ومقيم في مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، يمثل قصة إلهامية للتمسك بالمهن التقليدية التي ورثها عن أسرته. منذ صغره، جذبته حرفة رفا الملابس، حيث تعلمها مباشرة من والده، مما جعلها جزءًا لا يتجزأ من حياته. الآن، بعد سنوات من التفرغ لها كمهنة أساسية، يواصل عم ناصر العمل بها رغم بلوغه سن التقاعد، محافظًا على إرث عائلي يجسد الصبر والإبداع في عالم المهن اليدوية. هذه الحرفة لم تكن مجرد مصدر رزق، بل تحولت إلى هواية يتفانى فيها، رافضًا أي تغييرات تقنية قد تهدد جوهرها الفني.

حكاية عم ناصر في مهنة رفا الملابس

يروي عم ناصر تفاصيل تجربته الطويلة في عالم رفا الملابس، حيث يؤكد أن هذه المهنة تتطلب مستوى عالي من الحرفية والدقة. في عمله اليومي، يتعامل مع قطع ملابس متنوعة، سواء كانت ممزقة بسبب الحوادث اليومية أو متضررة من الحريق أو الكي، محولاً العيوب إلى جزء عضوي من القطعة دون أن يلاحظها الآخرون. يقول إن السر في النجاح يكمن في القدرة على جعل الإصلاح يندمج بشكل طبيعي مع النسيج، مما يحافظ على شكل الملابس وجمالها الأصلي. لقد قضى عم ناصر أكثر من ستة عقود في هذه الحرفة، بدءًا من تعلمه الأساسيات في طفولته، وصولاً إلى تحويله إلى مهنة رئيسية داعمة لعائلته. في ظل تغيرات العصر الحديث، يرى أن الالتزام بهذه العملية اليدوية يحافظ على هوية المهنة، خاصة أنها تجذب عملاء من مختلف الطبقات الاجتماعية، سواء كانوا من الأثرياء الذين يمتلكون ملابس ذات قيمة عالية أو من الأفراد العاديين الذين يسعون لإعادة استخدام ملابسهم اليومية. هذا التنوع في الزبائن يعكس أهمية المهنة في المجتمع، حيث تحول من مجرد حرفة إلى ضرورة اقتصادية وثقافية.

فن الإصلاح اليدوي للملابس

في جوهر هذه الحرفة، يبرز عم ناصر دور اللمسة اليدوية كعنصر أساسي لا يمكن استبداله بأي آلات حديثة. يؤمن بأن الدقة في معالجة كل عيب، سواء كان تمزقًا صغيرًا أو تلفًا أكبر، تتطلب خبرة بناءة على سنوات من التدريب والممارسة. على سبيل المثال، عندما يتلقى طلبًا لإصلاح بلوزة فاخرة أو سترة قديمة، يركز على دمج الخيوط بطريقة تمنح القطعة حياة جديدة، مما يقلل من هدر الموارد ويشجع على إعادة الاستخدام المستدام. هذا الفن لم يقتصر على الجانب المهني، بل امتد ليشكل جزءًا من تراث المنطقة في الشرقية، حيث يشكل رفا الملابس جزءًا من الاقتصاد المحلي. عم ناصر يشارك قصصه مع الآخرين، محفزًا الشباب على تعلم مثل هذه الحرف التقليدية للحفاظ عليها في عصر التقنية. من خلال تجاربه الشخصية، يلقي الضوء على كيف أصبحت هذه المهنة مصدر فخر له، خاصة مع زيادة الوعي بأهمية المنتجات اليدوية في مواجهة الإنتاج الضخم. لقد واجه تحديات عديدة، مثل تغير أنماط الاستهلاك، لكنه بقي ملتزمًا، مضيفًا لمساته الخاصة التي تجعل كل قطعة مليئة بالحكاية. في النهاية، يرى عم ناصر أن هذه الحرفة ليست فقط عن إصلاح الملابس، بل عن بناء روابط اجتماعية ودعم الاقتصاد المحلي، مما يجعلها نموذجًا للصمود في عالم يتغير بسرعة. هذه القصة تعكس كيف يمكن للمهن التقليدية أن تستمر في الإلهام والمساهمة في المجتمع، مشجعة على الحفاظ على التراث الثقافي.