أشعار ونقاشات في أمسية «الهوية بين التراث والكلمة الشاعرة»
مقدمة
في عصرنا الرقمي الذي يغلب عليه التغيير السريع، تبقى الأمسية الثقافية كمنصة حية لاستكشاف الهوية الإنسانية. عقدت أمسية بعنوان «الهوية بين التراث والكلمة الشاعرة» في دار الثقافة في الرياض يوم 15 أكتوبر 2023، برعاية وزارة الثقافة. كانت هذه الأمسية فرصة فريدة للتواصل بين التراث العربي العريق والتعبير الشعري الحديث، حيث اجتمع شعراء، مثقفون، وباحثون ليستعرضوا كيف يشكل الكلمة الشاعرة هويتنا الثقافية. شهدت الأمسية قراءات شعرية عميقة ونقاشات مثمرة، ساهمت في تعزيز الوعي بالتراث كأساس للهوية في عصر العولمة. في هذا التقرير، نستعرض أبرز الأشعار والنقاشات التي طرحت في هذه الجلسة.
الأشعار المقروءة: تعبير عن الهوية والتراث
شكلت قراءة الأشعار الجزء الأساسي من الأمسية، حيث اختيرت نصوص تبرز الرابط بين التراث العربي والكلمة الشاعرة الحية. بدأت الجلسة بقصيدة للشاعر السوري الشاب أحمد الجابري، بعنوان «أصول الروح»، التي ركزت على كيف يتجلى التراث في الحياة اليومية. قال الجابري في قصيدته: «من رمل الصحراء سطّرنا تاريخًا، وفي كلماتنا تتردد أنغام التراث». تعكس هذه الأبيات الصراع الداخلي بين الجذور التاريخية والواقع المعاصر، حيث يرى الشاعر أن الهوية ليست ثابتة، بل هي تدفق مستمر يتغذى من التراث.
ثم، قدمت الشاعرة المصرية فاطمة الزيادي قصيدة بعنوان «الكلمة المنفية»، التي تتناول الاغتراب الثقافي في العالم الحديث. كتبت الزيادي: «أنا التراث في جسد حديث، أبحث عن هويتي في كلمات الجدود». هذه القصيدة لفتت انتباح الحضور، حيث ربطت بين الشعر التقليدي، مثل قصائد الشعراء الكلاسيكيين مثل المتنبي، والتعبير المعاصر عن الهوية. في نهاية قراءتها، أكدت الزيادي أن «الكلمة الشاعرة هي الجسر الذي يوحد بين الماضي والحاضر، فالهوية لا تكتمل إلا بالعودة إلى التراث».
أما الشاعر السعودي علي الحمد، فقد قرأ قصيدة بعنوان «هوية المكان»، التي تركز على الرموز التراثية مثل البادية والشعر الشعبي. قال فيها: «في كل كلمة تنبعث روح الجدود، تهمس بالهوية التي لا تنكسر». هذه الأشعار جميعها لم تكن مجرد نصوص أدبية، بل كانت دعوة للتأمل في كيف يؤثر التراث على تشكيل هويتنا الشخصية والجماعية، مع إضافة لمسات حديثة تجعلها مرتبطة بالواقع.
النقاشات والحوارات: استكشاف عميق للهوية
بعد القراءات الشعرية، تحولت الأمسية إلى جلسة نقاشية حية شارك فيها الشعراء والمثقفون. ركزت النقاشات الرئيسية على ثلاثة محاور رئيسية: دور التراث في الحفاظ على الهوية، تأثير العولمة على الكلمة الشاعرة، والتحديات التي تواجه الشعراء في عصر الثورة الرقمية.
بدأ النقاش بتعليق من الدكتور محمد العلي، الباحث في التراث العربي، الذي قال: «التراث ليس مجرد تاريخ، بل هو أداة حية تُساعد في بناء الهوية الوطنية. في زمن الانهيار الثقافي، يصبح الشعر درعًا يحمي هويتنا». ردت الشاعرة فاطمة الزيادي بأن «الكلمة الشاعرة تستطيع تجاوز الحدود الزمنية، لكنها تواجه تحديًا في التوفيق بين التراث والتجديد». تناولت النقاشات أيضًا كيف يؤثر الإعلام الاجتماعي على الشعر، حيث أشار أحمد الجابري إلى أن «التراث يمكن أن يفقد بريقه إذا لم يُعيد صياغته بشكل يتناسب مع الجيل الجديد».
من بين النقاط البارزة، تم مناقشة دور المرأة في الشعر العربي الحديث. أبرزت الشاعرة الزيادي كيف أن النساء يستخدمن الكلمة الشاعرة لاستعادة هويتهن المفقودة في ظل التقاليد. كما طرح الجمهور أسئلة حول كيفية دمج التراث في التعليم، مما أدى إلى اقتراحات لبرامج تعليمية تستخدم الشعر لتعزيز الوعي الثقافي. انتهى النقاش باتفاق عام على أن «الهوية هي عملية مستمرة، تستلزم التوازن بين الاحتفاظ بالتراث والانفتاح على العالم الجديد».
خاتمة: تأثير الأمسية ودروسها
أثبتت أمسية «الهوية بين التراث والكلمة الشاعرة» أن الشعر ليس مجرد فن، بل هو أداة قوية للحوار والتغيير. عبر الأشعار والنقاشات، تمكن الحضور من استكشاف جوانب عميقة من هويتهم الثقافية، مع الإقرار بأهمية التراث في مواجهة تحديات العصر الحديث. في الختام، دعا منظمو الأمسية إلى تنظيم جلسات مشابهة، لتشجيع الجيل الشاب على التعبير عن هويتهم من خلال الكلمة الشاعرة. إن مثل هذه الأحداث تعزز الروابط الثقافية وتذكرنا بأن الهوية، كما قال الشاعر علي الحمد، «ليست ماضيًا، بل هي كلمة تنبض بالحاضر والمستقبل». إنها دعوة للجميع للالتحاق بهذه الرحلة الثقافية.
تعليقات