البذل والعطاء سمة أصيلة في المجتمع الإماراتي
في قلب التراث الثقافي والإنساني للإمارات العربية المتحدة، يتربع البذل والعطاء كسمة أصيلة وراسخة، تجسد قيم الإسلام والإنسانية التي ورثها المجتمع الإماراتي من أسلافه. هذه الصفة ليست مجرد سلوك فردي أو عادة اجتماعية، بل هي جزء من الهوية الوطنية التي تشكلت عبر التاريخ، متأثرة بالقيم الإسلامية السامية مثل الزكاة والصدقة، والتي تعزز الوحدة والتآزر بين أفراد المجتمع. في هذه المقالة، سنستعرض كيف أصبح البذل والعطاء ركيزة أساسية في المجتمع الإماراتي، من خلال التاريخ والممارسات الحديثة، ودوره في بناء مستقبل أفضل.
أصول البذل والعطاء في التراث الإماراتي
يعود تاريخ البذل والعطاء في الإمارات إلى عصور قديمة، حيث كان سكان المنطقة يعيشون في بيئة قاسية تتطلب التكافل والمساندة المتبادلة. في العهد القديم، قبل توحيد الدولة، كانت القبائل الإماراتية تعتمد على مبادئ الضيافة والكرم، اللتين كانتا جزءًا من الثقافة البدوية. مع انتشار الإسلام في الجزيرة العربية، تعززت هذه القيم من خلال التعاليم الإسلامية، التي تجعل العطاء فريضة دينية، كما في قول الله تعالى: “لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ” (سورة آل عمران: 92).
كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، المؤسس الراحل للاتحاد، أبرز رموز هذه السمة. اشتهر بشخصيته الكريمة، حيث كان يقدم المساعدة للمحتاجين داخل الإمارات وخارجها، مما جعل من الإمارات نموذجًا للعطاء على مستوى العالم. في عهده، تم إنشاء العديد من المبادرات الخيرية، مثل بناء المشافي والمدارس في دول المنطقة، مما عكس كيف أن البذل ليس مجرد كلمة، بل عمل يومي يعزز الترابط الإنساني.
العطاء في العصر الحديث: من الفرد إلى الدولة
في الإمارات الحديثة، يتجلى البذل والعطاء على مستويات متعددة، بدءًا من الأفراد والعائلات وصولًا إلى المؤسسات الحكومية. على المستوى الشخصي، يمارس الإماراتيون العطاء بشكل يومي، خاصة خلال المناسبات الدينية مثل رمضان، حيث يتم توزيع الصدقات والوجبات الإفطار على المحتاجين، مما يعزز الروح الجماعية. كما أن المؤسسات التعليمية والثقافية تشجع على هذه القيم من خلال برامج تربوية تهدف إلى غرس حب العطاء في الأجيال الشابة.
أما على المستوى الرسمي، فإن الإمارات تجسد هذه السمة من خلال مبادرات حكومية واسعة النطاق. على سبيل المثال، يقود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حملات إغاثية دولية، مثل دعم الشعوب المتضررة من الكوارث الطبيعية في أماكن مثل الهند وإندونيسيا، أو تقديم المساعدات الإنسانية لللاجئين في سوريا وأفغانستان. كما أن توجه الإمارات نحو التنمية المستدامة يظهر في مشاريع مثل صندوق محمد بن راشد آل مكتوم للتنمية، الذي يركز على محو الفقر والتعليم في الدول النامية. هذه المبادرات ليست فقط تعبيرًا عن القوة الاقتصادية للبلاد، بل هي تأكيد على أن العطاء يعزز دور الإمارات كقوة إيجابية عالميًا.
أثر البذل والعطاء على المجتمع والمستقبل
يؤدي البذل والعطاء إلى فوائد متعددة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. اجتماعيًا، يقلل من الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ويعزز الشعور بالانتماء والأمان. اقتصاديًا، يساهم في تعزيز الاستدامة من خلال دعم المشاريع الخيرية التي تخلق فرص عمل وتدعم التنمية. في ظل التحديات العالمية الراهنة، مثل جائحة كورونا، برهن المجتمع الإماراتي على عطائه من خلال حملات التطعيم والمساعدات الطبية للدول الأخرى، مما يعكس كيف أن هذه السمة تحول الإمارات إلى مركز للإنسانية.
مع ذلك، يجب الحفاظ على هذه القيم في عصر التقدم السريع، حيث يواجه الشباب تحديات الحياة الحديثة. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز البرامج التعليمية والثقافية التي تربط بين التراث والعصر الحاضر. فالبذل والعطاء ليس مجرد تقليد، بل هو استثمار في المستقبل يجعل المجتمع أكثر تماسكًا وإنسانية.
خاتمة: استمرارية السمة الأصيلة
في الختام، يظل البذل والعطاء سمة أصيلة في المجتمع الإماراتي، تجسد روح الإسلام والتراث العربي، ويعزز مكانة الإمارات كدولة رائدة في العالم. هذه القيم ليست ماضيًا، بل هي حاضر حي ومستقبل واعد، طالما أن الأجيال القادمة تتوارثها وتمارسها. في عالم يعاني من الانقسامات، يقدم المجتمع الإماراتي نموذجًا مشرقًا، حيث يتحول العطاء إلى جسور للسلام والتفاهم. لن ننال البر رحمًا من الله، كما أوصى الإسلام، دون أن نستمر في هذا النهج النبيل.
تعليقات