أطلق مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) مبادرة جديدة تُعرف بـ”مبادرة الخوص”، وهي مشروع ثقافي يهدف إلى الاحتفاء بحرفة الخوص التقليدية من خلال ربط المجتمعات المحلية في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية مع الجمهور العالمي. هذه المبادرة تركز على إعادة تشكيل هذه الحرفة القديمة، مستلهماً من سعف النخيل، لتعزيز التواصل بين الحرفيين المحليين والمبدعين عالمياً، مع التركيز على الحفاظ على التراث الثقافي والدفع نحو الابتكار المستدام.
الخوص: تراث حي ومصدر ابتكار
تمثل “مبادرة الخوص” جهداً لتقديم صورة حية لنسيج سعف النخيل كرمز للتراث الذي يمتد لقرون، في الوقت نفسه الذي يدفعه نحو الممارسات المعاصرة. في المملكة العربية السعودية، تحافظ واحات النخيل على هذه الحرفة كجزء أصيل من الحياة اليومية، حيث يتم تجفيف سعف النخيل ونسجه لإنتاج سلال، سجاد، وأعمال فنية مزخرفة. تُعزز المبادرة من دور هذه الحرفة في بناء جسور بين التقاليد الراسخة والابتكارات الحديثة، من خلال توفير فرص لللقاء بين الفنانين، الحرفيين، والمصممين. هذا النهج يساهم في توسيع نطاق الحرف اليدوية المحلية، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، مع التركيز على الاستدامة وخلق فرص تعاونية تقوي المنظومة الثقافية الكلية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل المبادرة على تعزيز التبادل الثقافي العالمي في مجالات الإرث، الإبداع، والتصميم، مما يضمن أن يبقى التراث السعودي حياً وملائماً للعصر الحديث.
نسيج النخيل: المهنة الأبدية والثقافية
يُعتبر نسيج سعف النخيل، أو “الخوص” كما يُعرف محلياً، واحدة من أقدم المهن في المملكة وأكثرها استمرارية، حيث يجسد ذكريات الأجيال وروح الإبداع في المجتمعات المحلية. في محافظة الأحساء، التي تُعد أكبر واحة نخيل في العالم وهي مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، تندمج هذه الحرفة بعمق مع حياة السكان وثقافتهم. هناك، يستمر الحرفيون في نقل فنونهم من جيل إلى آخر، مما يجعلها ركيزة للاستمرارية الثقافية. من خلال هذه المبادرة، يتم تعزيز دور الحرفيين في الأحساء، حيث تُقدم فرص لعرض أعمالهم وتبادل المعرفة مع مبدعين عالميين، مما يفتح أبواباً جديدة للتعاون والابتكار. هذا التركيز على المحافظة والتطوير يساعد في دمج الحرفة مع السياقات المعاصرة، مثل تصميم المنتجات الإبداعية التي تجمع بين التراث والحداثة، وبالتالي تعزيز التنمية الثقافية المستدامة.
في الختام، تجسد “مبادرة الخوص” رؤية شاملة للتراث كقوة دافعة للمستقبل، كما أنها تحتفي بإنجازات مثل فوز عمل “نخيل في عناق أبدي” بجائزة إثراء للفنون. هذا العمل، الذي يعكس روعة النخيل كرمز للارتباط البشري مع البيئة، يبرز كمثال حي على كيفية دمج التقاليد مع الإبداع الحديث. من خلال مثل هذه المبادرات، يمكن للمملكة تعزيز مكانتها كمركز ثقافي عالمي، حيث يتجاوز التراث حدود الزمان والمكان ليلهم أجيالاً جديدة من المبدعين. بالإضافة إلى ذلك، تساهم المبادرة في بناء جسر بين الثقافات، مما يعزز التبادل العالمي ويشجع على الممارسات الإبداعية المستدامة، وبالتالي تعزيز دور الحرف اليدوية في الاقتصاد الثقافي. هذا النهج الشامل يضمن أن يظل التراث السعودي مصدراً للفخر والابتكار، محافظاً على هويته الأصيلة في عالم متغير.
تعليقات