في عام 1187، حقق صلاح الدين الأيوبي إنجازًا تاريخيًا بتحرير مدينة القدس من الاحتلال الصليبي، بعد حصار دام 12 يومًا، مما أنهى فترة من 88 عامًا من السيطرة الأوروبية عليها. كان ذلك تتويجًا لجهود متواصلة في توحيد الأمة العربية والإسلامية وخوض معارك حاسمة مثل معركة حطين، التي أدت إلى سقوط مملكة بيت المقدس الصليبية. قبل ذلك، كانت الأمة في حالة ضعف وانقسام، مما سمح للصليبيين باحتلال معظم مدن الساحل في بلاد الشام، بما في ذلك محاصرة دمشق. لكن صلاح الدين أعاد بناء القوة من خلال العودة إلى مبادئ الدين، توحيد الشعوب، وتشكيل جيش مؤمن بالله، رغم عدم توازي قوته مع عدو قوي في التسليح والعدد. كان قائدًا عادلًا، حيث أخرج الصليبيين بسلام، محافظًا على حياتهم وأموالهم.
تحرير القدس بين احتلالين الصليبي والصهيوني
اليوم، ومع مرور أكثر من 80 عامًا على احتلال فلسطين، يتكرر سيناريو الماضي بطريقة مذهلة. يواجه الفلسطينيون عدوانًا مستمرًا وإبادة جماعية مدعومة دوليًا، خصوصًا من الولايات المتحدة والغرب، وسط عجز عربي واضح. ومع ذلك، تشهد العالم حالة من الصحوة تجاه القضية العادلة، كما ظهرت في رحلة أسطول الصمود لكسر الحصار عن غزة. يذكرنا هذا بما حدث في 1099، عندما ارتكب الصليبيون مجازر هائلة راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم، في سلوك يعكس الهمجية نفسها التي نراها الآن مع الاحتلال الصهيوني. لكن صلاح الدين قدم نموذجًا مختلفًا بالرحمة والعدالة، مما يدفعنا للتفكير في كيفية استلهام هذا الإرث.
القدس تحت ظلال الغزو المتكرر
في ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري استرجاع جوهر مشروع صلاح الدين، الذي قام على أسس الإيمان، التوحيد، وبناء قوة حقيقية. الشعوب اليوم بحاجة ماسة إلى قائد يعيد الأمة إلى دينها، يسوسها بالعدل، ويوجه طاقاتها نحو التحرير الحقيقي، لا نحو المصالح الشخصية. لقد جربت الأمة طرقًا كثيرة، من الشعارات المستوردة إلى التضحيات الدامية، كما يقدمها أهل غزة بصبرهم ومقاومتهم. القرآن محفوظ كما كان، لكننا اخترنا الذلة بتآمر بعض أبنائنا مع الأعداء. ليس من المستحيل صنع قائد جديد، فالأمة هي التي تخلقه عبر اتباع منهج الله، خاصة في ظل الانكشاف الأخلاقي للمشروع الصهيوني أمام الشعوب الغربية، التي بدأت ترفض دعم حكوماتها له.
هذه اللحظة تفرض على الجميع، من حكام ومحكومين، علماء ومفكرين، أن يقوموا بدورهم في إعادة البناء. فالقضية ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل دعوة للعمل الآن، قبل فوات الأوان. التاريخ يسجل كل شيء، وسنن الله لا ترحم، لأن الله غالب على أمره، وهو يعلم ما تخفي الصدور. إن استلهام روح صلاح الدين يعني الوقوف ضد الظلم بكل قوة، سواء كان صليبيًا أو صهيونيًا، لنحرر القدس مرة أخرى ونعيد للأمة كرامتها.
تعليقات