لندن للتحكيم الدولي: تأكيد عدم قانونية استيلاء جيبوتي على محطة حاويات بناها “دي بي ورلد”
مقدمة
في عالم الاستثمارات الدولية، يُعد التحكيم الدولي أداة أساسية لحماية الحقوق وتسوية النزاعات بين الدول والشركات المتعددة الجنسيات. في هذا السياق، أصدرت “لندن للتحكيم الدولي” (LCIA) حكماً بارزاً يؤكد عدم قانونية استيلاء حكومة جيبوتي على محطة حاويات دوراليه، التي بنتها شركة “دي بي ورلد” الإماراتية. هذا الحكم ليس مجرد قرار قانوني، بل يمثل انتصاراً لمبادئ القانون الدولي وقانون الاستثمارات، الذي يمنع الاستيلاء التعسفي على أصول الشركات الأجنبية. في هذا المقال، سنستعرض خلفيات النزاع، تفاصيل التحكيم، والأسباب التي تجعل هذا الاستيلاء غير قانوني، مع التأكيد على أهمية احترام اتفاقيات الاستثمار الدولية.
خلفية النزاع
تعود جذور النزاع إلى عام 2006، عندما وقعت حكومة جيبوتي اتفاقية مع شركة “دي بي ورلد” لبناء وتشغيل محطة حاويات دوراليه في ميناء جيبوتي. كانت هذه الاتفاقية جزءاً من استراتيجية لتطوير البنية التحتية في جيبوتي، حيث استثمرت الشركة الإماراتية ملايين الدولارات لبناء المحطة، مما جعلها واحدة من أكبر محطات الحاويات في المنطقة. وفقاً للاتفاقية، منحت جيبوتي لـ”دي بي ورلد” حق التشغيل لمدة 30 عاماً، مقابل حصة في الأرباح وتزامناً مع تطوير الاقتصاد المحلي.
ومع ذلك، في فبراير 2018، أعلنت حكومة جيبوتي عن إنهاء الاتفاقية بشكل مفاجئ واستيلاءها على المحطة، مدعية أسباباً مثل “مصالح الأمن القومي” و”انتهاك شروط الاتفاق”. هذا الاستيلاء أدى إلى خسائر مالية هائلة لـ”دي بي ورلد”، التي رأت فيه انتهاكاً للعقد ولمبادئ القانون الدولي. في الواقع، يُعتبر هذا الإجراء مثالاً على الاستيلاء التعسفي (Expropriation)، الذي يُحظر بوضوح في اتفاقيات الاستثمار الدولية، مثل معاهدة حماية الاستثمارات بين الإمارات وجيبوتي.
عملية التحكيم في لندن للتحكيم الدولي
رفعت شركة “دي بي ورلد” دعوى تحكيم أمام “لندن للتحكيم الدولي” (LCIA)، وهي إحدى المؤسسات الرائدة عالمياً في تسوية النزاعات التجارية الدولية. في مارس 2018، بدأت الجلسات، حيث قدمت الشركة الإماراتية أدلة على أن الاستيلاء كان غير قانوني ومخالفاً للاتفاقية الأصلية. بعد فترة من التحقيقات والجلسات، أصدرت LCIA حكماً في عام 2020 يؤكد بصراحة أن قرار جيبوتي كان “غير قانوني وتعسفياً”.
الحكم، الذي تم الطعن فيه لاحقاً أمام محكمة التقاضي البريطانية، أكد على عدة نقاط رئيسية:
- انتهاك الاتفاقيات الدولية: اعتبرت LCIA أن الاستيلاء يتنافى مع اتفاقية الاستثمار بين الإمارات وجيبوتي، التي تمنع الاستيلاء على الاستثمارات الأجنبية دون تعويض عادل.
- عدم وجود أساس قانوني: لم تثبت جيبوتي أي مخالفة من جانب “دي بي ورلد”، مما جعل قرارها مبنياً على أسباب سياسية محضة وليس قانونية.
- التعويض المالي: ألزمت الحكم جيبوتي بدفع تعويضات مالية لـ”دي بي ورلد” تقدر بملايين الدولارات، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار لشركة الإدارة.
هذا الحكم ليس الأول من نوعه؛ ففي السابق، كانت LCIA قد صدرت أحكاماً مشابهة في نزاعات أخرى، مما يعزز من مصداقيتها كمنصة محايدة للنزاعات الدولية.
أسباب عدم قانونية الاستيلاء
يبرز الحكم الصادر عن LCIA عدة أسباب تجعل استيلاء جيبوتي غير قانوني، ومنها:
- مخالفة القانون الدولي: ينص اتفاق الاستثمار الدولي (مثل اتفاقية التنمية الدولية) على أن أي استيلاء يجب أن يكون لأسباب عامة، مع تعويض عادل. في حالة جيبوتي، لم يتم تقديم أي تعويض، كما أن الأسباب كانت غامضة.
- انتهاك العقد: الاتفاقية مع “دي بي ورلد” كانت واضحة في شروطها، ولم يتم اتباع الإجراءات القانونية لإنهائها، مثل إعطاء فترة إنذار أو مفاوضات.
- تأثير على الاستثمارات الأجنبية: أدى هذا الاستيلاء إلى تقليل الثقة في جيبوتي كوجهة استثمارية، حيث أظهر أن الحكومة قد تلجأ إلى الإجراءات التعسفية للسيطرة على الأصول الخاصة.
- الجوانب السياسية: يُعتقد أن الاستيلاء كان مرتبطاً بتغييرات في العلاقات الدبلوماسية، مثل تأثير الصين أو التوترات الإقليمية، مما يجعله خروjaaً عن القانون المدني.
في الواقع، يُعتبر هذا الاستيلاء انتهاكاً واضحاً لمبادئ منظمة التجارة العالمية (WTO) ومعاهدة الاستثمار الثنائية، التي تحمي الشركات من التعامل غير العادل.
التداعيات والعبر
يعكس هذا النزاع تداعيات واسعة على الساحة الدولية. أولاً، يؤكد حكم LCIA أهمية الالتزام بالعقود الدولية، ويحث الدول على تجنب الإجراءات التعسفية التي قد تؤدي إلى نزاعات قانونية مكلفة. ثانياً، يعزز دور التحكيم الدولي كآلية فعالة لتسوية النزاعات، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث تشهد على تزايد الاستثمارات.
بالنسبة لجيبوتي، قد يؤدي هذا الحكم إلى انعكاسات اقتصادية، مثل انخفاض الاستثمارات الأجنبية وضغوط من المنظمات الدولية. أما بالنسبة لـ”دي بي ورلد”، فهو يمثل انتصاراً يحمي حقوقها ويشجع الشركات الأخرى على اللجوء إلى التحكيم. في الختام، يجب على الدول أن تتعلم من هذه الحالات لتعزيز الثقة في اقتصادها.
خاتمة
يؤكد حكم “لندن للتحكيم الدولي” عدم قانونية استيلاء جيبوتي على محطة حاويات “دي بي ورلد”، مما يبرز أهمية القانون الدولي في حماية الاستثمارات. هذا القرار ليس فقط فوزاً للشركة الإماراتية، بل انتصاراً للعدالة الدولية. يجب على حكومة جيبوتي الالتزام بالحكم وإعادة التعويض، لتجنب المزيد من النزاعات وتعزيز التعاون الدولي. في عالم مترابط، يظل الالتزام بالعقود والقوانين الدولية مفتاحاً للاستقرار الاقتصادي.
تعليقات