كانت خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للشرق الأوسط محاطة بالجدل منذ اللحظة الأولى، حيث قدمها في تاسع وأربعين من سبتمبر أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. الخطة، التي وصفت بأنها “صياغات هروبية تحايلية مخادعة”، تركزت بشكل أساسي على قطاع غزة، مع إغفال شبه كامل للقضية الفلسطينية الشاملة في الضفة الغربية. رغم أنها ادعت الالتزام بحل سلامي، إلا أنها انحازت بوضوح لإسرائيل، من خلال إعادة التأكيد على القدس عاصمة لها، واعتراف ضم هضبة الجولان، ووقف التمويل لأونروا، ومهاجمة إيران، ودعم رفض إقامة دولة فلسطينية. هذا الانحياز جعل الخطة تبدو كمحاولة للرضا عن نتنياهو، مع تجريم أي مقاومة فلسطينية كأنها “إرهابية”.
خطة ترامب: صياغات هروبية تحايلية مخادعة
في الجوانب الإيجابية القليلة، اقترحت الخطة إنهاء المعاناة الإنسانية في غزة من خلال وقف المذابح والتزام بانسحاب إسرائيلي، بالإضافة إلى منع التهجير القسري لسكان القطاع مع ضمان حقهم في العودة إذا غادروا. كما نادت بتزويد السكان باحتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والدواء، وإعادة الإعمار تحت إشراف دولي، وتبادل الأسرى لتحرير بعض الفلسطينيين المحتجزين. بالإضافة إلى ذلك، سمحت ببقاء مقاتلي المقاومة داخل القطاع بشرط نزع السلاح، مما يعيق محاولات إسرائيل لإبعادهم، وأنهت الوصاية الأمريكية الإسرائيلية على المساعدات لصالح المنظمات الدولية. ومع ذلك، فإن هذه النقاط تبدو محدودة مقارنة بالجوانب السلبية المهيمنة.
الاقتراحات المتحايلة للسلام الأمريكي
أما السلبيات، فهي عديدة وتكشف عن طبيعة الخطة كأداة للتضليل. بدأت بلغة التهديد والوعيد ضد المقاومة، مما يعكس تعاملاً متعجرفاً ومذلاً، وطالبت بإنهاء المقاومة المسلحة دون أي مقابل سياسي عادل للفلسطينيين. كما ألقت عبء نزع سلاح المقاومة على الدول العربية والإسلامية، مما يجعلهم يقومون بمهمة معقدة لصالح إسرائيل. فيما يتعلق بتبادل الأسرى، فإن الفائدة الأكبر ستعود لإسرائيل، حيث تستعيد أسرىها بينما يظل آلاف الفلسطينيين محتجزين. الانسحاب الإسرائيلي من غزة غير شامل وغير مرتبط بجدول زمني ملزم، ولم يتضمن أي التزام بإنهاء الحرب، كما أثبتت ممارسات إسرائيل في لبنان عدم التزامها باتفاقيات سابقة. أضف إلى ذلك، أن المرجعية السياسية ستكون لمجلس سلام يقوده ترامب نفسه بتحيزه لإسرائيل، مع استبعاد السلطة الفلسطينية وفرض شروط إصلاحية غامضة تهدف إلى إلغاء أي كيانية فلسطينية. إعادة الإعمار من خلال خبراء دوليين قد تغير هوية غزة اجتماعياً وعمرانياً، مع تجاهل الخطط العربية، ويحدد الإشراف الأمني لمصر والقوى الدولية مع استغراب للتعبير عن غزة كتهديد لمصر. الإشارة إلى حوار الأديان تعطي صورة مضللة، إذ يتجاهل الصراع الفعلي كاحتلال لأرض وشعب، مع توظيف ديني من جانب إسرائيلي فقط. أما الضفة الغربية، فقد تم تجاهلها تماماً، مع تعزيز الاستيطان وممارسات القتل والتهجير. الأمر الأكثر إثارة للجدل هو رفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، حيث لجأت الخطة إلى عبارات عامة وغامضة حول “أفق سياسي” و”مسار موثوق” دون التزامات واضحة، مما يمثل محاولة خداعية لتضليل الأطراف العربية. في نهاية المطاف، شبهت تصريحات ترامب، التي وصفت الخطة بـ”أعظم الايام” للسلام، بأنها تنفي معنى الاحتلال والابادة، مع ملاحظة حذف نقطة رئيسية بتدخل إسرائيلي، مما يؤكد فصل غزة عن الجسم الفلسطيني وتحويلها إلى منطقة احتلال أمريكي إسرائيلي. هذه الخطة ليست سوى وهم سلامي يخدم مصالح إسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية.
تعليقات