ثقوب سوداء “تلتهم” مساعدات اليمن الخارجية.. والخدمات والمعيشة تظل راكدة!

يسجل الوضع في اليمن حالة من التفاوت الواضح بين التقدم المالي المعلن والواقع المعيشي الصعب الذي يواجهه السكان. رغم تدفق المساعدات الخارجية، مثل الدعم السعودي، إلا أن الأوضاع الخدمية والمعيشية تظل عالقة في مأزقها، مما يعكس وجود عوائق عميقة تحول دون الاستفادة من هذه الموارد.

ثقوب سوداء تلتهم المساعدات الخارجية في اليمن

في المناطق الخاضعة للسلطة الشرعية، تمكنت الحكومة من وقف انهيار الريال اليمني مؤقتًا، مما أعاد له بعض قيمته السابقة، خاصة بعد تدخلات تنظيمية صارمة ضد مؤسسات الصرافة. ومع ذلك، يواصل الغلاء المفرط للسلع الأساسية والنقص في توفرها إرهاق الغالبية الساحقة من المواطنين، بينما تبقى صرف الرواتب للموظفين غير منتظم، مما يعيق توفير الاحتياجات اليومية لآلاف الأسر. كما يظل الوضع الخدمي مترديًا، حيث تشهد مدن مثل عدن انقطاعات مستمرة للكهرباء، ويعاني العديد من الأحياء من نقص المياه النظيفة، في حين تتفاقم مشكلات شبكات الصرف الصحي بسبب عدم الصيانة، مما يؤدي إلى تردي البنية التحتية وانعدام الخدمات في بعض المناطق. هذه الواقعية تبرز عدم التوازن بين الإنجازات المالية المؤقتة والتحديات اليومية التي تواجه السكان.

فجوات الفساد تبتلع الموارد المتاحة

يؤكد مراقبون أن السبب الرئيسي لاستمرار هذه الأزمات يكمن في فجوات الفساد التي تبتلع الموارد، سواء كانت المساعدات الخارجية أو الموارد الداخلية الشحيحة. هذه الفجوات تمثل حالات من سوء الإدارة والتلاعب بالمال العام، مما يمنع توجيه الأموال نحو تحسين الخدمات العامة أو تخفيف الأعباء المعيشية. رغم اعتراف الكثيرين بجهود رئيس الوزراء سالم بن بريك في إصلاح الإدارة والتعامل مع الاختلالات المالية، إلا أن الإصلاحات تبقى محدودة بسبب صعوبة اتخاذ قرارات جذرية، خاصة مع وجود تناقضات بين الأطراف الشريكة في السلطة، حيث يعيق كل طرف المساس بمصالحه الخاصة. على سبيل المثال، يشير خبراء إلى ارتفاع الميزانيات التشغيلية وأجور كبار المسؤولين رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، مما يعكس وجود فائض في العدد مع توزيع غير عادل للأجور، حيث يتقاضى بعضهم رواتب مرتفعة دون مقابل عملي.

وفي السياق نفسه، يرتبط تحسن قيمة الريال بإجراءات تنظيمية وليس بإصلاحات اقتصادية عميقة، كما أن الأزمة المالية الأساسية ترجع إلى توقف تصدير النفط بسبب الاستهدافات الأمنية. هذا يؤكد أن السبب الحقيقي للأزمة ليس نقص الموارد فحسب، بل فشل الإدارة والفساد المنتشر. ومع ذلك، تستمر الدعم الخارجي، خاصة من المملكة العربية السعودية التي قدمت مؤخرًا مساعدة بقيمة 368 مليون دولار، في دعم السلطة الشرعية للحفاظ على تماسكها أمام التحديات. على مدار السنوات الماضية، لعبت هذه المساعدات دورًا في تغطية النفقات التشغيلية مثل الرواتب، لكنها لم تحل المشكلة الجذرية، إذ لا تستهدف توليد ثروة مستدامة بل تغطية احتياجات فورية. يتطلب الأمر إذن، إصلاحات أعمق تتجاوز الإجراءات السطحية لمواجهة فجوات الفساد وتعزيز الإدارة الفعالة، من أجل تحقيق توازن حقيقي بين الدعم المالي والتحسينات الميدانية التي يحتاجها السكان.