سوريا تتجه لطباعة العملة في الإمارات وألمانيا عوضا عن روسيا

سوريا تعتزم طباعة العملة في الإمارات وألمانيا بدلاً من روسيا: خطوة نحو تنويع الاقتصاد أم تحدي جديد؟

المقدمة

في خطوة مفاجئة وتثير التساؤلات، أعلنت الحكومة السورية عن نيتها لتغيير موردي طباعة العملة السورية، وهي الليرة السورية، من روسيا إلى دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة وألمانيا. هذا القرار، الذي أُعلن مؤخراً من خلال مصادر رسمية، يعكس التغيرات الدبلوماسية والاقتصادية في سوريا، وسط التحديات المستمرة بسبب الصراع المسلح والعقوبات الدولية. هل يمثل هذا التحول فرصة لتعزيز الاستقلال الاقتصادي أم أنه يعيد إنتاج التبعية على مصادر خارجية؟ سنقص في هذه المقالة على تفاصيل هذا القرار وتداعياته.

خلفية القرار وأسبابه

منذ سنوات، كانت روسيا الشريك الرئيسي لسوريا في مجال طباعة العملة، حيث اعتمدت الحكومة السورية على مصنعي العملة الروسية لتزويد الاقتصاد بالليرة السورية. ومع ذلك، شهدت هذه الشراكة في الفترة الأخيرة بعض التعقيدات، خاصة مع فرض عقوبات أميركية وأوروبية على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، مما أثر على قدرتها على الالتزام بإمداداتها إلى سوريا. كما أن العقوبات الدولية المفروضة على دمشق نفسها منذ عام 2011، بسبب الحرب الأهلية، جعلت من الصعب على سوريا الحصول على الاحتياجات الأساسية مثل طباعة العملة دون مواجهة معوقات مالية ولوجستية.

يأتي قرار التحول إلى الإمارات العربية المتحدة وألمانيا كرد فعل لهذه التحديات. الإمارات، كأحد الدول الخليجية ذات الاقتصاد القوي، تمتلك شبكات طباعة عملة متقدمة من خلال شركات مثل شركة "دي إن جي" (De La Rue) التي تعمل في المنطقة، بينما تقدم ألمانيا خبرة فنية عالية في مجال الطباعة الأمنية من خلال شركات مثل "جيبو" (Giesecke+Devrient). هذا التحول يهدف إلى تنويع مصادر الإمداد، مما يقلل من الاعتماد الوحيد على روسيا، والتي كانت تشكل نحو 80% من احتياجات سوريا في هذا المجال قبل الحرب.

وفقاً لتقارير إعلامية ومصادر حكومية سورية، فإن الأسباب الرئيسية لهذا القرار تشمل:

  • الضغوط الاقتصادية: ارتفاع معدلات التضخم في سوريا، حيث وصلت قيمة صرف الليرة إلى أقل مستوياتها التاريخية (حوالي 15,000 ليرة مقابل الدولار في بعض الأسواق)، مما يتطلب إعادة طباعة العملة بكميات كبيرة لتلبية الاحتياجات.

  • التغييرات الجيوسياسية: مع تراجع دعم روسيا بسبب ضغوط خارجية، تسعى سوريا لإعادة توازن علاقاتها الدبلوماسية، خاصة مع الدول الغربية والخليجية، في ظل محاولات لإعادة بناء الاقتصاد المنهار.

  • الأمن المالي: طباعة العملة في دول أكثر استقراراً قد تقلل من مخاطر التزوير والعمليات غير الشرعية، حيث تتمتع الإمارات وألمانيا بتقنيات متطورة لمكافحة التزوير.

التداعيات الاقتصادية والسياسية

من جانب إيجابي، قد يساعد هذا القرار في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في سوريا. على سبيل المثال، زيادة كفاءة طباعة العملة يمكن أن تقلل من نقص السيولة النقدية، مما يساهم في إحياء النشاط التجاري المحلي. كما أن التعاون مع ألمانيا، كدولة أوروبية مرموقة، قد يكون خطوة نحو تقارب أكبر مع الاتحاد الأوروبي، الذي يفرض عقوبات على سوريا لكن يدعم بعض المساعدات الإنسانية.

ومع ذلك، يواجه هذا القرار تحديات كبيرة. العقوبات الدولية قد تعيق عملية النقل، حيث قد يرفض البنوك الدولية التعامل مع سوريا أو تفرض قيوداً على نقل الأموال لشراء الورق النقدي أو الآلات. كما أن التعاون مع الإمارات، وهي دولة محايدة نسبياً، قد يثير مخاوف من قبل الولايات المتحدة، التي تراقب أي دعم اقتصادي للحكومة السورية. في السياق الداخلي، قد يؤدي هذا التحول إلى ارتفاع التكاليف، مما يزيد من الضغط على ميزانية سوريا المنهكة بالفعل.

من الناحية السياسية، يمكن أن يُقرأ هذا القرار كإشارة إلى محاولة دمشق للابتعاد عن تحالفاتها التقليدية (مثل روسيا وإيران) نحو شراكات أكثر تنوعاً. لكن الخبراء يحذرون من أن مثل هذه التحركات قد تكون محدودة الفعالية دون حل جذري للصراع السوري، الذي دمر الاقتصاد بنسبة تصل إلى 90% وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

الخاتمة: فرصة أم مخاطرة؟

في الختام، قرار سوريا بطباعة عملتها في الإمارات وألمانيا بدلاً من روسيا يمثل محاولة للتكيف مع الواقع المتغير، لكنه يفتح الباب أمام تحديات جديدة. من جهة، قد يعزز التنويع الاقتصادي ويفتح آفاقاً للتعافي، خاصة إذا أدى إلى اتفاقيات تجارية أوسع. من جهة أخرى، في ظل التوترات الدولية، قد يبقى هذا القرار مجرد خطوة شكلية دون تغيير جذري. في النهاية، يتطلب الأمر مراقبة وثيقة لكيفية تنفيذه، حيث يمكن أن يكون بوابة نحو مستقبل أكثر استقراراً أو مصدراً لمزيد من الاضطرابات. هل ستنجح سوريا في هذا التحول؟ الإجابة تكمن في السياسات القادمة وردود الفعل الدولية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *