سيف بن زايد: العالم يستهلك الذكاء الاصطناعي.. والإمارات تصنعه
في عصرنا الحالي، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) محوراً أساسياً في حياة البشرية، حيث يُستهلك بكميات هائلة في جميع أنحاء العالم. لكن، في ظل هذا الاستهلاك الواسع، يبرز دور الإمارات العربية المتحدة كمنتج رئيسي لهذه التكنولوجيا المتقدمة. ومن بين الشخصيات البارزة التي دعمت هذا النهج هو صاحب السمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، الذي أكد في عدد من التصريحات أن الإمارات لم تعد مجرد مستوردة للابتكارات، بل أصبحت مصدراً لها. في هذه المقالة، نستعرض هذه الرؤية وكيف تحولت الإمارات إلى قوة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.
الاستهلاك العالمي للذكاء الاصطناعي: واقع يسوده الاعتماد
يشهد العالم اليوم ثورة في استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. من التطبيقات مثل ChatGPT وGoogle Assistant إلى الروبوتات الذكية في المنازل والمستشفيات، يستهلك الملايين من الناس هذه التقنيات دون أن يدركوا تماماً كيفية صناعتها. وفقاً لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، يُتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي عالمياً إلى 15.7 تريليون دولار بحلول عام 2030. هذا الاستهلاك المتزايد يعكس اعتماداً كبيراً على شركات عملاقة مثل أبل، غوغل، ومايكروسوفت، اللذي يسيطرن على معظم التقنيات.
لكن هذا الاعتماد ليس خالياً من المخاطر. في تصريحاته، شدد الشيخ سيف بن زايد على أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي المستورد يمكن أن يهدد السيادة الرقمية للدول. كما أشار إلى أن العالم يواجه تحديات أمنية واقتصادية بسبب هذا الاستهلاك، مثل انتشار البيانات غير الآمنة والهجمات الإلكترونية. على سبيل المثال، خلال جائحة كوفيد-19، كان الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في مراقبة الانتشار والتنبؤ بالمستقبل، لكنه جاء في معظمه من مصادر خارجية، مما أبرز الحاجة إلى إنتاج محلي.
الإمارات.. من المستهلك إلى المصنع
أما الإمارات العربية المتحدة، فهي تمثل قصة نجاح فريدة في مجال الذكاء الاصطناعي. بحسب رؤية صاحب السمو الشيخ سيف بن زايد، تحوّلت البلاد من كونها مجرد مستفيدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى منتجة رئيسية لها. هذا التغيير يعود إلى استراتيجيات وطنية مدروسة، مثل برنامج "الذكاء الاصطناعي في الإمارات" الذي أطلقته الحكومة عام 2017، والذي يهدف إلى جعل البلاد في طليعة الدول المنتجة للتقنيات الرقمية.
في هذا السياق، أصبحت الإمارات مركزاً للابتكار العالمي من خلال شراكاتها مع شركات عالمية مثل G42 ومسبار، اللذين يركزان على تطوير الذكاء الاصطناعي محلياً. على سبيل المثال، قامت الإمارات بتطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي في مجال الأمن والسلامة العامة، حيث أكد الشيخ سيف بن زايد أن هذه التقنيات ساعدت في تعزيز جهود الشرطة، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الحدود ومكافحة الجرائم الإلكترونية. كما أن الإمارات استثمرت في قطاعات أخرى، مثل الرعاية الصحية، حيث يساهم الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وتطوير الأدوية.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت أبوظبي ودبي محوراً للمؤتمرات العالمية حول الذكاء الاصطناعي، مثل مؤتمر "Gartner Symposium"، الذي يجمع بين الخبراء العالميين. هذه الجهود لم تكن مجرد كلمات، بل تحولت إلى واقع اقتصادي، حيث وصل إجمالي الاستثمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي في الإمارات إلى أكثر من 1.5 مليار دولار في السنوات القليلة الماضية، وفقاً لتقرير البنك الدولي.
الدروس المستقبلية: نحو مستقبل مستدام
في الختام، يمثل كلام الشيخ سيف بن زايد دعوة لإعادة توازن العالم بين الاستهلاك والإنتاج. بينما يستمر العالم في استهلاك الذكاء الاصطناعي، فإن الإمارات توفر نموذجاً يُحتذى به، حيث تجمع بين الابتكار والأمن والتنمية المستدامة. هذا النهج لن يساعد الإمارات فقط في تحقيق السيادة الرقمية، بل سيساهم في تشكيل مستقبل عالمي أكثر عدالة، حيث يصبح الجميع مشاركاً في صناعة التقنيات بدلاً من الاكتفاء باستهلاكها.
إن نجاح الإمارات في هذا المجال يعكس رؤية وطنية واضحة، وهو دليل على أن الدول الناشئة يمكنها التحول إلى قوى عالمية إذا استثمرت في التعليم، البحث، والشراكات. كما دعا الشيخ سيف بن زايد إلى تعزيز التعاون الدولي لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي وآمن، مما يفتح آفاقاً جديدة للجميع. في النهاية، إن مستقبل الذكاء الاصطناعي ليس في الاستهلاك وحده، بل في صناعته وتطويره لصالح البشرية بأكملها.