في ظل الظروف الاجتماعية والسياسية المتوترة في لبنان، شهد سجن رومية، الذي يُعد أكبر السجون في البلاد، حوادث شغب من قبل مجموعة من السجناء. هذه الأحداث، التي وقعت يوم الخميس، عكست حالة الإحباط الواسعة بين السجناء، الذين رفعوا أصواتهم مطالبين بإقرار قانون عفو عام شامل وتخفيض مدة الجزاءات، في محاولة لإصلاح نظام السجون المترهل. يقع سجن رومية في منطقة المتن شرق بيروت، ويشهد عادة زحاماً شديداً يتجاوز سعته، حيث يستوعب أكثر من 5500 سجين، مما يعزز من التوترات الداخلية.
أعمال شغب في سجن رومية: مطالب السجناء بالإصلاح
هذه الحوادث لم تحدث في الفراغ، بل جاءت متزامنة مع جلسة تشريعية حاسمة في مجلس النواب اللبناني. خلال تلك الجلسة، التي تم إدارتها برئاسة نبيه بري، تمت مناقشة العديد من القضايا الوطنية الملحة، بما في ذلك آراء السجناء حول إصلاحات محتملة. وفقاً للتفاصيل المتاحة، أقر المجلس اقتراحاً قانونياً يمنح إعفاءات ضريبية واسعة للأفراد والمنشآت التي تعرضت لأضرار مادية مباشرة نتيجة القصف الإسرائيلي على لبنان بدءاً من الثامن من أكتوبر 2023. هذا الإجراء يشمل أيضاً ورثة الضحايا اللبنانيين الذين سقطوا في هذه الحملات، مما يعكس جهوداً لدعم المتضررين في ظل التوترات الإقليمية.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت الجلسة المصادقة على تعديل قانون يعاقب على إطلاق عيارات نارية في الهواء، مع رفع العقوبات بشكل كبير لممارسي هذه الأفعال. ومع ذلك، تم إحالت كثير من الاقتراحات الأخرى، بما في ذلك تلك المتعلقة بملفات حساسة مثل معالجة قضية النازحين السوريين، إلى اللجان النيابية لدراستها بشكل أعمق. هذه الاقتراحات تشمل منع أي أشكال من الاندماج أو الدمج للنازحين السوريين في لبنان، إضافة إلى ترحيل السوريين المقيمين بطريقة غير قانونية ووقف أي نزوح إضافي. كما كانت هناك نقاشات حول تخفيض الجزاءات السجنية، وهو ما يرتبط مباشرة بمطالب السجناء في رومية، على الرغم من أن هذه المشروعات لم تُصادق عليها بعد.
الإضطرابات السجنية والتغييرات التشريعية في لبنان
من الواضح أن أعمال الشغب في سجن رومية تعبر عن أزمة أعمق في النظام القضائي والسجوني اللبناني، حيث يواجه السجناء ظروفاً صعبة تشمل الازدحام والنقص في الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والبرامج التأهيلية. هذا الوضع يعزز من الشعور باليأس، مما يدفع إلى مثل هذه التظاهرات. في السياق ذاته، كشفت الجلسة التشريعية عن صعوبة اتخاذ قرارات سريعة في مجلس النواب، حيث كان جدول أعمالها يضم 83 اقتراحاً قانونياً متنوعاً. بين هذه الاقتراحات، كانت هناك تركيزاً على قضايا النزوح، حيث يرى بعض النواب ضرورة حماية الأمن الداخلي اللبناني من خلال سياسات صارمة تجاه السوريين غير الشرعيين. هذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمطالب السجناء، الذين يأملون في أن يؤدي تخفيض الجزاءات إلى تخفيف الضغط على السجون المكتظة.
في الوقت نفسه، يبدو أن هذه الأحداث تكشف عن فجوة بين السياسات الحكومية والحاجات الشعبية. على سبيل المثال، بينما يتم التركيز على الإعفاءات الضريبية لضحايا الصراع مع إسرائيل، فإن قضايا داخلية مثل إصلاح السجون تظل في مهب الريح. الآن، مع إحالت بعض الاقتراحات إلى لجان متخصصة، يتساءل المراقبون عن مدى فعالية هذه الخطوات في معالجة الجذور العميقة للأزمة. إن مطالب السجناء ليس مجرد مطالب فردية، بل تعكس مخاوف أوسع تتعلق بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية في لبنان، حيث يعاني البلد من تداعيات الأزمات المتعددة. في ظل هذا الواقع، من الضروري أن تتبنى الحكومة نهجاً شاملاً يجمع بين الإصلاحات التشريعية والتدابير العملية لتحسين ظروف السجون، مما قد يمنع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.
ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحاً حول كيفية دمج هذه الاقتراحات في سياسة شاملة. على سبيل المثال، تخفيض الجزاءات السجنية يمكن أن يكون خطوة إيجابية لتقليل الازدحام، لكنه يتطلب توازناً مع متطلبات الأمن العام. كما أن قضية السوريين النازحين تثير تحديات إنسانية وأمنية، حيث يجب أن تكون أي قرارات مدروسة لتجنب تفاقم التوترات الاجتماعية. في نهاية المطاف، تُذكرنا هذه الأحداث بأهمية الاستجابة السريعة للمطالب الشعبية، لضمان استقرار لبنان في ظل الظروف الصعبة.