الأعمال الأدبية العالمية في «أبوظبي للكتاب».. جسر ثقافي بين الشرق والغرب
في عصرنا الحالي، حيث أصبحت الثقافات متشابكة بشكل أكبر بفضل التكنولوجيا والتواصل العالمي، يبرز معرض «أبوظبي للكتاب» كواحد من أبرز الأحداث الثقافية التي تعزز الجسور بين الشرق والغرب. يُعد هذا المعرض، الذي يُقام سنوياً في العاصمة الإماراتية، منصة فنية وحيوية لعرض الأعمال الأدبية العالمية، حيث يجمع بين تراث الشرق وإبداع الغرب، محولاً صفحات الكتب إلى جسور تعبر فوق الاختلافات الثقافية والجغرافية. في هذا التقرير، نستعرض كيف يحول «أبوظبي للكتاب» هذه الأعمال الأدبية إلى أداة للحوار والتفاهم المتبادل.
البداية: معرض يجمع بين الثراء الثقافي
يأتي معرض «أبوظبي للكتاب» كجزء من جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز الثقافة والمعرفة، حيث أسس في عام 1996 كحلقة وصل بين العالم العربي والعالم الدولي. يضم المعرض المئات من الناشرين والمؤلفين من أكثر من 50 دولة، ويشهد حضوراً يتجاوز المليون زائر سنوياً. يركز على عرض الأعمال الأدبية العالمية، سواء كانت روايات، قصص قصيرة، شعراً، أو كتباً تاريخية وفلسفية، مما يجعله مرآة تعكس تنوع الإرث البشري.
ما يميز هذا المعرض هو قدرته على دمج الأدب الشرقي مع الغربي. فإلى جانب الكتب العربية الكلاسيكية مثل «ألف ليلة وليلة» أو أعمال الشاعر الإيراني جلال الدين الرومي، يبرز الأدب الغربي من خلال أعمال كبار الكتاب مثل ويليام شكسبير، جي. كي. رولينغ في «هاري بوتر»، أو إرنست هيمنغواي. هذا التداخل ليس عشوائياً، بل يهدف إلى بناء حوار ثقافي يعمق الفاهم بين الأمم.
الأعمال الأدبية كوسيلة للتواصل الثقافي
تُعتبر الأعمال الأدبية العالمية محوراً أساسياً في معرض «أبوظبي للكتاب»، حيث تُترجم وتُعرض لتكون جسراً بين الثقافتين. على سبيل المثال، يُقدم المعرض ترجمات حديثة للأدب الأوروبي إلى العربية، مثل رواية «ذا غريت غاتسبي» لفرانسيس سكوت فيتزجيرالد، التي تُناقش موضوعات الغنى والطموح في عصر الجاز، مما يسمح للقارئ العربي بالغوص في واقع الغرب. من جهة أخرى، يتم عرض أعمال شرقية مثل «القرآن الكريم» أو «الرسالة» للإمام الغزالي إلى جانب كتب غربية، مما يدفع الزوار من أوروبا وأمريكا لاستكشاف التراث الإسلامي والشرقي.
كما يشمل المعرض جلسات نقاشية وورش عمل تتيح للكتاب والمفكرين من الشرق والغرب الالتقاء. في إحدى الدورات الأخيرة، جرى نقاش حول كتاب «الإنسان الأول» للكاتب الإيطالي أومبرتو إيكو، إلى جانب مناقشة شعر الياباني هاسيكي، مما أدى إلى حوارات عميقة حول القضايا المشتركة مثل الهوية والصراعات الإنسانية. هذه الأنشطة ليس مجرد عرض للكتب، بل تجارب تعليمية تحول القراءة إلى حوار حضاري.
الفوائد الثقافية والاجتماعية
يعمل معرض «أبوظبي للكتاب» كجسر ثقافي حقيقي، حيث يساهم في تعزيز التنوع والتسامح. في زمن يسوده التوتر الجيوسياسي، يُذكرنا الأدب بأن الشرق والغرب يشتركان في قيم إنسانية مشتركة. فمن خلال عرض أعمال مثل «مئة عام من العزلة» للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، يتعرف الجمهور العربي على الواقعية السحرية في الأدب اللاتيني، بينما يغوص الزوار الغربيون في أعمال مثل «ملائكة السماء» للشاعر السوري أدونيس.
بالإضافة إلى ذلك، يدعم المعرض الترجمة كأداة رئيسية للتواصل. من خلال مشاريع مثل تمويل الترجمات من الإنجليزية إلى العربية والعكس، يتمكن القراء من الوصول إلى كنوز أدبية كانت محصورة باللغة. هذا الأمر يعزز التبادل الاقتصادي أيضاً، حيث يزيد من مبيعات الكتب العالمية في المنطقة العربية، ويعزز دور الإمارات كمركز ثقافي عالمي.
الخاتمة: نحو مستقبل أكثر تفاهماً
في ختام هذا الاستعراض، يظل معرض «أبوظبي للكتاب» رمزاً للأمل في عالم أكثر اندماجاً. من خلال الأعمال الأدبية العالمية، يتحول هذا الحدث من مجرد معرض كتب إلى جسر ثقافي يربط بين الشرق والغرب، مما يعزز السلام والتفاهم. في ظل التحديات العالمية الحالية، مثل الصراعات السياسية والتباعد الاجتماعي، يذكرنا هذا المعرض بقوة الأدب في بناء جسور الحب والمعرفة. لذا، يدعو الجميع لزيارة هذا الحدث في الدورة القادمة، ليكتشفوا أن الكلمات قادرة على تحقيق الوحدة بين الشعوب. فأبوظبي للكتاب ليس مجرد حدث، بل هو دعوة لعالم أكثر تعايشاً وتنوعاً.