أخبار لايت: كيف تخلى عبد الناصر عن الأسطورة؟.. تفاصيل من أخبار السعودية

في عالمنا العربي، حيث يتردد صدى الشعارات في كل زاوية، يظهر تسجيل صوتي قديم كعلامة فارقة تدعو إلى التفكير العميق. هذا التسجيل، الذي جمع بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والعقيد معمر القذافي في عام 1970، يعكس لحظة نادرة من الوضوح السياسي. عبد الناصر، الذي كان رمزاً للمقاومة والرفض، يعترف بأنه مستعد للاعتراف بإسرائيل مقابل استعادة الأراضي المفقودة، مضيفاً بتلقائية: “اللي عايز يحارب… يحارب!” هذا التصريح ليس مجرد كلمات عابرة، بل هو انقلاب على الشعار الذي شكل أسطورته: “ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”. يبين هذا التحول كيف أدرك عبد الناصر، في تلك اللحظة، حدود القوة وتكاليف المغامرة، متركاً خلفه خطاب الجماهير لصالح منطق الدولة الواقعي.

تسجيل عبد الناصر: الكشف عن الصدق السياسي

هذا التسجيل يثير تساؤلات عميقة حول كيفية تعاملنا مع الحقيقة في المنطقة العربية. بدلاً من أن يكون توقيت تسريبه هو المشكلة الحقيقية، كما تساءل بعضهم بسخرية، فإن الصمت الطويل الذي سبقه هو ما يستحق الريبة. في مجتمعاتنا، نعاني من ثقافة تقدس الشعارات وتجرّم أي محاولة للمراجعة أو الاعتراف بالأخطاء. كانت حرب 1967 وخيباتها الدرس القاسي الذي دفع عبد الناصر لإعادة تقييم موقفه، لكنه فعل ذلك في السر، محافظاً على صورته العامة. اليوم، يبرز هذا التسجيل كدليل على أن القادة الذين يرفعون شعارات الحرب في العلن، قد يختارون طريق التفاوض في الخفاء. فلماذا نحرم الأجيال الشابة من معرفة هذه الحقائق؟ إن الاستمرار في عبادة تلك الشعارات، خاصة تحت شعارات “الممانعة”، لم يؤدِ إلا إلى مزيد من الخسائر والدمار، كما نرى في حالات مثل حزب الله أو حركة حماس، حيث تتكرر الخطابات القديمة بينما تُدمر المدن وتُرهن المستقبل.

في السياق الأوسع، يذكرنا هذا التسجيل بأهمية إعادة كتابة تاريخنا بعيون نقدية، بعيدة عن العواطف والأساطير. لقد أدت السياسات غير الرشيدة إلى حروب مُكلِفة وهزائم متكررة، مما يؤكد أن الحماية الحقيقية للوطن تأتي من خلال القرارات العقلانية والتفاوض المسؤول، لا من خلال الهتافات الفارغة. عبد الناصر نفسه تخلى عن أسطورته الشخصية في تلك اللحظة، مما يدعونا للتساؤل: متى سنتوقف نحن عن تقديس هذه الأساطير ونبدأ في بناء مستقبل مبني على الواقع؟

الحقيقة المخفية: إعادة ترتيب الرواية التاريخية

عند النظر إلى هذا التسجيل، ليس كفضيحة شخصية لعبد الناصر، بل كفرصة للتعلم والتطور، يتبين أننا بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة لتاريخنا السياسي. في الواقع، الإصرار على إخفاء مثل هذه الحقائق يعيق تقدمنا كأمة. فمن خلال دراسة هذه اللحظات، يمكننا فهم كيف تغيرت الإقليمية السياسية منذ عقود، مع صعود القوى الدولية وتغير ميزان القوى. على سبيل المثال، في ظل التحديات الحالية مثل الصراعات في الشرق الأوسط، يستمر بعض القادة في تكرار أخطاء الماضي، محولين شعارات المقاومة إلى أدوات للبقاء في السلطة، بدلاً من أن تكون وسائل لتحقيق السلام والاستقلال الحقيقي.

إن الدروس المستفادة من تسجيل عبد الناصر تذكرنا بأن السياسة الفعالة تتطلب جرأة المراجعة، لا الإصرار على الخطابات المتجمدة. ففي عالمنا المتقلب، حيث تفرض الظروف الاقتصادية والأمنية ضغوطاً كبيرة، يجب أن نعزز ثقافة النقد الذاتي والحوار المفتوح. هذا يعني تشجيع الأجيال الشابة على السعي للمعرفة من مصادر متعددة، وتجنب الوقوع في فخ الروايات المفردة التي تسيّدت لعقود. بالنهاية، إذا كنا نريد تجاوز الخسائر التاريخية والبناء على أنقاضها، فإننا بحاجة إلى تبني نهج عبد الناصر في تلك اللحظة النادرة: الاعتراف بالواقع كما هو، واتخاذ القرارات بناءً عليه. إن هذا التسجيل ليس مجرد وثيقة تاريخية، بل دعوة لإعادة بناء هويتنا السياسية على أسس أكثر عقلانية واستدامة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *