تبحر فنانات الحرانية في عالم من الإبداع والجمال، حيث يتحول الخيوط إلى لوحات فنية تعكس أسرار الطبيعة، مستمدة إلهامها من الريف المصري والتراث الشعبي. منذ أكثر من سبعين عامًا، يستمر هذا الفن في تحدي مرور الزمن، محافظًا على أصالته بفضل يدي نساء أتقنته مع السنين، وصنعن منه رمزًا للإرث الثقافي.
فنانات الحرانية يجسدن جمال الطبيعة بخيوط مغزولة
بناءً على فن عصري يجمع بين التقاليد والإبداع، تقوم هؤلاء الفنانات بصنع قطع فنية لا تُضاهى، حيث يتجلى جمال الطبيعة في كل خيط. يعود أصل هذا الفن إلى المهندس المعماري رمسيس ويصا واصف، الذي غرس بذور الإبداع في أجيال من نساء الحرانية، مما جعلهن روادًا عالميين في صناعة السجاد اليدوي. كل فنانة تهيمن على نول خشبي عتيق، تستخدم فيه خيوط القطن والصوف المصبوغة بألوان طبيعية مستخرجة من النباتات، مثل الحمراء من “الفوة” والصفراء من “رزدا لوتيلا”. هذه التقنيات تسمح بتصوير مناظر الريف الهادئة، من أزهار وأشجار وجبال، محولة كل قطعة إلى قصة تروي تاريخًا حيًا وموروثات شعبية.
فن صناعة السجاد اليدوي في الحرانية
تجسد قصة مثل تلك التي يرويها لطفية محمد، الفنانة البالغة من العمر 63 عامًا، جوهر هذا الفن الذي رافقها منذ طفولتها. بدأت رحلتها في سن الـ11، متأثرة بزميلاتها وتشجيع رمسيس ويصا واصف، الذي كان يعلم النساء كيف يحولن الخيوط إلى لوحات فنية متميزة. تقول لطفية: “كنت أراقب التفاصيل في صمت، ثم بدأت أنسج سجادتي الأولى، وكانت طائرًا أعجب به ويصا واصف، ما دفعني للاستمرار”. اليوم، تستخدم أدوات بسيطة مثل “المشط” الحديدي لكبس الخيوط، معتمدة على ذاكرتها لتصوير تفاصيل الطبيعة بدقة، مما يجعل كل عمل فني فريدًا ومميزًا عن الآخر. إن هذا الفن ليس مجرد حرفة، بل تعبير عن الهوية الثقافية، حيث تتناغم أنغام أم كلثوم مع حركة اليدين لتحويل الخيوط إلى أعمال تُعرض في المتاحف العالمية والمعارض الفنية الكبرى.
في الحرانية، يستمر هذا التراث كقصة حية، تجمع بين المهارة والإلهام، مما يجعل الفنانات نموذجًا للإبداع المستدام. كل سجادة تخرج من هذه القرية تمثل مزيجًا من التقاليد والابتكار، حيث تبرز كل فنانة بأسلوبها الخاص، مستلهمة من جمال الطبيعة المحيطة. هذا الفن ليس فقط تعبيرًا عن الجمال، بل دعوة لاستكشاف عالم آخر يمزج بين الماضي والحاضر، مما يضمن استمرارية هذا الإرث لأجيال قادمة. من خلال تفاصيل دقيقة وألوان زاهية، يتجاوز عمل فنانات الحرانية الحدود المحلية ليصبح جزءًا من الثقافة العالمية، محافظًا على أصالة الريف المصري في زمن يتسارع فيه التغيير. بهذا الشغف، يستمر الفن في جذب الأنظار ويحافظ على مكانته كرمز للإبداع الحقيقي.