عاد طريقة صيد الأسماك التقليدية المعروفة بـ “القمبار” إلى الظهور مرة أخرى على شواطئ محافظة القطيف، بعد أن كانت على وشك الاندثار التام. هذه الطريقة، التي تعتمد على الخبرة والصبر، أعيد السماح بها من قبل الجهات المسؤولة، مما أحيى تراثًا قديمًا لم يعد يمارسه إلا قلة من الأشخاص. الآن، يمكن للصيادين ممارسة هذا النوع من الصيد في مواقع محددة مثل دارين والزور، بشرط التسجيل مسبقًا لضمان السلامة والاستدامة.
عودة القمبار
يُعد “القمبار” نموذجًا للصيد التقليدي في المنطقة الشرقية والخليج العربي، حيث كان يمثل مهنة أساسية للعديد من السكان. يقول رضا الفردان، عضو جمعية الصيادين، إن هذه الطريقة تعتمد بشكل كامل على الصيد ليلًا في الظلام الدامس، مع الاعتماد على مواسم محددة في الشهر القمري. الصيادون يحتاجون إلى هدوء تام ومهارة عالية، حيث يستخدمون أداة تُدعى “الصاخوب” لمباغتة السمكة بسرعة ودقة. في السابق، كانت هذه المهنة شائعة بين المجتمعات الساحلية، حيث يسير الصياد راجلًا في المياه الضحلة قرب الشواطئ، مع التركيز على حركة المد والجزر لتحديد أفضل الأوقات. غالبًا ما يشارك فيها مجموعة صغيرة من الأفراد، أو حتى شخص واحد، مما يجعلها نشاطًا تعاونيًا يعتمد على الخبرة الشخصية.
من جانبه، يذكر صياد آخر، وجدي المرهون، أن “القمبار” اختفى مؤخرًا بسبب القيود على الصيد في المناطق الساحلية، لكنه كان يعتمد على أوقات معينة مثل ضعف ضوء القمر أو فترات الجزر. تقليديًا، استخدم الصيادون مصابيح تعمل بالكيروسين لجذب الأسماك، أما الآن فأصبحت الكشافات البطارية الحديثة هي البديل الأكثر شيوعًا، مما يساعد في الإضاءة دون تعقيد. الأداة الرئيسية، “الصاخوب”، مصنوعة من مواد قوية مثل الخيزران أو الأسلاك المعدنية، ويُستخدم أحيانًا رماح حديدية للصيد الدقيق. لنقل السمك، يعتمد الصيادون على أدوات بسيطة مثل الجراب أو السلة المتينة، التي ترتبط بحبل حول الخصر لتسهيل الحركة في الماء.
الصيد الراجل
يُشير “الصيد الراجل” إلى النهج التقليدي نفسه، الذي يركز على السير في المياه الساحلية دون الغوص بعيدًا، مما يجعله خيارًا آمنًا ومناسبًا للصيادين ذوي الخبرة. وفقًا للفردان، فإن الأسماك التي يتم صيدُها عادةً هي تلك الصغيرة الحجم التي تعيش قرب الشواطئ، مثل القرقفان والعراضي والميد، بالإضافة إلى الخوفع والحايسون والفسكر. في بعض الحالات، قد يحصل الصياد على فريسة أكبر مثل الهامور إذا توغل قليلاً نحو الصخور، لكن النجاح يعتمد على عوامل عديدة مثل حركة المياه والطقس. في الماضي، كان الصيد وفيرًا جدًا، حيث يمكن لصياد واحد الحصول على عشرة كيلوغرامات أو أكثر في ليلة واحدة، مما يوفر سمكًا طازجًا للعائلة أو للاستخدام اليومي. ومع ذلك، هناك أوقات يعود فيها الصيادون خالي اليدين، مما يبرز الطابع العشوائي لهذه المهنة.
رغم التحديات مثل هجرة بعض أنواع الأسماك بعيدًا عن السواحل، إلا أن عودة “القمبار” تعيد إحياء هذا التراث الثمين. هذه الطريقة ليست مجرد وسيلة للحصول على الغذاء، بل هي جزء من الهوية الثقافية للمنطقة، حيث يفضلها الجيل الأكبر سنًا ممن تجاوزت أعمارهم الأربعين أو الخمسين عامًا، كمهنة وحتى كهواية ممتعة. مع إعادة السماح بها، يتجدد الأمل في نقل هذه الممارسة إلى الأجيال الجديدة، مما يساهم في الحفاظ على التراث البحري والتنوع البيئي. في النهاية، يظل “الصيد الراجل” رمزًا للارتباط بالطبيعة والتاريخ المحلي، مما يجعل عودته حدثًا مفرحًا يعزز الروابط المجتمعية.