سجلت الاقتصاد السعودي تقدماً ملحوظاً في الربع الأول من العام الجاري، حيث أعلنت البيانات الرسمية عن نمو يصل إلى 2.7% مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي. هذا الأداء يمثل الثالث على التوالي في سلسلة من النمو الربعي، بعد انكماش بلغ 1.7% في الربع الأول من عام 2024، وارتفاع قياسي بلغ 4.5% في الربع الأخير من العام السابق. يعكس هذا التطور الإيجابي توازناً أكبر في الاقتصاد، مع التركيز المتزايد على القطاعات غير الريعية.
نمو الاقتصاد السعودي
يرجع هذا النمو السنوي الإجمالي إلى دفع قوي من قبل الأنشطة غير النفطية، التي سجلت ارتفاعاً قدره 4.2%. في المقابل، شهدت الأنشطة النفطية انكماشاً بنسبة 1.4%، مما يبرز التحول الهيكلي في الاقتصاد السعودي نحو الاعتماد على مصادر متنوعة للدخل. هذا التحول لم يكن مصادفة، بل نتيجة لاستراتيجيات مدروسة تهدف إلى تقليل التبعية التقليدية على النفط، الذي كان يشكل عماد الإيرادات سابقاً. من خلال هذا النمو، يتأكد الاقتصاد السعودي على قدرته على تحقيق الاستدامة، حيث ساهمت الجهود في تعزيز التنافسية العالمية للقطاعات غير النفطية، مثل الخدمات والتصنيع، التي أصبحت محركاً رئيسياً للنشاط الاقتصادي.
تحول الاقتصادي
مع مرور تسعة أعوام على إطلاق رؤية المملكة 2030، يبرز هذا الأداء كدليل قاطع على نجاح الجهود الرامية إلى تنويع الاقتصاد. أصبحت الأنشطة غير النفطية تشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، بينما يمثل القطاع الخاص الآن 47% من الاقتصاد الوطني للمرة الأولى. هذا التحول لم يقتصر على هيكلة الاقتصاد فحسب، بل امتد إلى تحسين مصادر الإيرادات، حيث ارتفع حصة الإيرادات غير النفطية لتصل إلى 40% من إجمالي الإيرادات الحكومية، مقارنة بـ27% في عام 2015، وأقل من 10% في السنوات السابقة. يعزز هذا التغيير من قدرة الاقتصاد على مواجهة تقلبات أسواق النفط العالمية، حيث كان يعاني سابقاً من التأثيرات السلبية للانهيارات أو الارتفاعات المفاجئة في أسعار الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، يشكل تنويع الاقتصاد ركيزة أساسية في استراتيجية الإصلاح الشامل، حيث ساهم في خفض المخاطر الاقتصادية ودعم الاستثمارات المستدامة. على سبيل المثال، شهدت قطاعات مثل السياحة والتعليم والتكنولوجيا نمواً سريعاً، مما عزز من فرص التوظيف وجذب الاستثمارات الأجنبية. هذا الاتجاه يتناسب مع أهداف طويلة المدى، مثل تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة مساهمة المملكة في الاقتصاد العالمي. بفضل هذه الجهود، أصبح الاقتصاد السعودي أكثر مرونة، مما يسمح بمواجهة التحديات العالمية مثل التغيرات المناخية والهشاشة في سلسلة الإمدادات. في الختام، يؤكد هذا التحول أن الاقتصاد السعودي لم يعد مقتصراً على موارد الطاقة، بل أصبح نموذجاً للتنمية المستدامة، حيث يوفر أساساً قوياً للنمو المستقبلي وسط تحديات العصر الحديث. هذه الخطوات تضمن أن يكون الاقتصاد أكثر تنوعاً واستقراراً، مما يدعم الرؤية الاستراتيجية للمملكة في بناء مستقبل مزدهر.