التسريبات الصوتية تكشف مجرد نصف الحقيقة!

منذ حرب 1948، شهد العالم العربي تطورًا في التحالفات السياسية، حيث برز محور واقعي يركز على التوازن والمنافع العملية، مقابل محور آخر كان يعتمد على الشعبوية والمزايدات السطحية التي لم تخدم سوى الأغراض الداخلية، مثل حل الصراعات الاقتصادية أو السياسية، مما يدفع إلى تصدير المشكلات للخارج. أما المحور الثالث، فكان نصف واقعي يفتقر إلى الرؤية الشاملة، مما أدى إلى تعقيد المشهد العام.

التسريبات وتأثيرها على التحالفات الإقليمية

في سياق التسريبات الأخيرة، تبرز رأيان رئيسيان: الأول يشير إلى أن جهاز مخابرات ما يسعى من خلال مخزنه من المعلومات إلى إعادة تشكيل الرأي العام العربي لتحقيق أهداف محددة، بينما الثاني يفترض أن دولة ما قد حصلت على أرشيف مخابرات القذافي وتستخدمه لإرباك الوضع الإقليمي، مما يؤدي إلى حالة من السيولة تسمح لها بالاستفادة لاحقًا. صحيح أن هذه التسريبات تقدم جزءًا فقط من الحقيقة، لكنها تكشف عن انعكاسات عميقة على التحالفات، حيث يبدو أن من قام بها يعرف بالضبط كيف ستؤثر على المشهد السياسي. هل سنشهد تغييرًا حقيقيًا في التحالفات، أم تخفيفًا للأعباء التي كبلت الدول لعقود، مثل الصراعات الداخلية التي أدت إلى حالة من الاختناق؟ منذ الأحداث في السابع من أكتوبر، أصبح واضحًا أن العالم يتجه نحو أجواء جديدة، حيث يهيمن الاقتصاد كعامل رئيسي، وتفقد الحروب بالنيابة أهميتها، فواشنطن الآن تبذل جهودًا كأنها معركة عسكرية للحفاظ على اقتصادها.

انعكاسات الأسرار على الواقع السياسي

الواقعية السياسية تبدو الآن في طريقها للانتصار بعد عقود من الصراع مع الشعبوية، فدول مثل الأردن والبحرين والمغرب، رغم اقتصاداتها المتوسطة، استطاعت استغلال هذه الواقعية لتعزيز تنميتها، كما في بنيتها التحتية المتقدمة. أما الدول الغنية التي تصالحت مع نفسها، مثل السعودية، فقد ساهمت في قضايا عالمية، من تحرير أفغانستان وإنهاء مجازر البوسنة إلى دعم القضية الفلسطينية، حيث حققت الاعتراف بمنظمة التحرير وأدت إلى قيام السلطة الفلسطينية. في مصر، برزت هذه الواقعية مع الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، الذين استردوا أراضيهم مثل سيناء وطابا، مقابل أخطاء أخرى مثل ما حدث مع صدام حسين، الذي فشل في فهم موازين القوى أثناء حرب الخليج، مما أدى إلى سقوط نظامه. القذافي اتبع نهجًا مشابهًا من المواجهة والشتائم، دون تحقيق نتائج ملموسة، بينما الملك عبد العزيز أبدع في قراءة العالم بعد الحرب العالمية الثانية، مما أمن لمملكته مكانة دائمة.

إن فهم التسريبات يتطلب النظر إلى تشابك المشهد السياسي، الذي أصبح كومة من السياسات المحطمة، وأصبح من الضروري إعادة تشكيله بناءً على مبادئ الواقعية لمواكبة عالم ما بعد الحروب الاقتصادية، حيث تكشف الغرف المغلقة عن حقائق جديدة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *