في السنوات الأخيرة، أصبحت قضايا الاحتكار في قطاع التكنولوجيا محور اهتمام عالمي، حيث تبرز الجهود التنظيمية لمواجهة هيمنة الشركات الكبرى. هذه القضايا ليست مجرد نزاعات قانونية عابرة، بل تشكل نقطة تحول في تنظيم السوق الرقمي، مع التركيز على كيفية استغلال هذه الشركات لقوتها لإضعاف المنافسة وتأثيرها على المستهلكين والاقتصاد ككل.
قضايا الاحتكار تكشف بداية نهاية هيمنة عمالقة التكنولوجيا
في تطور قضائي بارز، أصدرت محكمة أمريكية حكماً ضد شركة جوجل هذا الأسبوع، بعد أن ثبت تورطها في الحفاظ غير القانوني على هيمنتها في سوق الإعلانات الرقمية. هذا الحكم يمثل خطوة حاسمة في حملة قضائية أمريكية متزايدة الوتيرة ضد كبرى شركات التكنولوجيا، بما في ذلك ميتا، آبل، وأمازون. وفقاً للحيثيات، أكدت المحكمة أن جوجل اكتسبت قوة احتكارية متعمدة في مجالات مثل خوادم إعلانات الناشرين ومنصات تبادل الإعلانات، والتي تعتبر أساسية لطريقة بيع الإعلانات عبر الإنترنت. هذه الأنظمة تمثل مصدر دخل رئيسي لوسائل الإعلام ومحتوى الويب المجاني، لكن جوجل استغلتها لتهميش المنافسين، مما أدى إلى أضرار للناشرين، المستخدمين، وحرية التنافس. على الرغم من أن الحكم لم يشمل جانب شبكات إعلانات المعلنين، إلا أنه يفتح الباب أمام الجهات التنظيمية لفرض تغييرات هيكلية واسعة، قد تصل إلى تفكيك بعض أجزاء الشركة، مما يعكس تحولاً في السياسات التنظيمية للحد من السيطرة غير المشروعة.
ممارسات الاحتكار في قطاع التكنولوجيا
مع تزايد الضغط على جوجل، تواجه شركة ميتا، السابقة فيسبوك، معركة قانونية كبيرة أخرى، حيث رفعت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية دعوى تتهمها باحتكار شبكات التواصل الاجتماعي من خلال استحواذها على انستجرام وواتساب للقضاء على المنافسة. دافع المدير التنفيذي مارك زوكربيرج بأن هذه الاستحواذات كانت تهدف إلى تعزيز الابتكار وتحسين الخدمات، لكن رسائل بريد إلكتروني مسربة من عام 2012 كشفت نوايا أخرى تتعلق بإضعاف المنافسين. أما بالنسبة لشركة آبل، فهي تواجه دعوى قضائية من وزارة العدل الأمريكية وعدد من الولايات منذ مارس 2024، تتهمها بإساءة استخدام سيطرتها على نظام iOS لإقصاء المنافسين من خلال قيود على التطبيقات الخارجية، خدمات الدفع، والرسائل. تنفي آبل هذه الاتهامات وتسعى لإسقاط القضية، لكن النزاع المتوقع أن يستمر لسنوات. في السياق نفسه، تتعرض أمازون لدعوى ضخمة من لجنة التجارة الفيدرالية منذ سبتمبر 2023، التي تتهمها بالاحتفاظ باحتكارها في سوق التجارة الإلكترونية عبر ممارسات غير عادلة، مثل معاقبة البائعين الذين يقدمون أسعاراً أقل على منصات أخرى، وإجبارهم على استخدام خدماتها اللوجستية، بالإضافة إلى تحميل نتائج البحث بالإعلانات.
رغم محاولات هذه الشركات الكبرى للتعامل مع الضغوط السياسية، مثل تبرعات ميتا أو لقاءات قادة جوجل، إلا أن القضاء الأمريكي يظهر صرامة متزايدة تجاه قضايا الاحتكار. هذه القضايا، على الرغم من أنها تبدو منفصلة، تكشف عن تحول شامل في كيفية تعامل السلطات الأمريكية مع عمالقة التكنولوجيا. انتهت فترة النفوذ غير الخاضع للرقابة، حيث يواجه هؤلاء اللاعبون مخاطر تنظيمية متزايدة، مما يهدد بإعادة تشكيل السوق الرقمي وتعزيز المنافسة العادلة. هذا التحول ليس فقط يحمي المستهلكين والمنافسين الصغار، بل يعزز أيضاً الابتكار والتنوع في قطاع يسيطر عليه القلة، مما يفتح الباب لفرص جديدة في عالم التكنولوجيا المتطور بسرعة.